الاثنين، 30 مايو 2011

فن إخماد الثورات

كانت الصورة المنقولة من ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية والذي أعلن عن أختلافات جوهرية في الرؤى وتضارب في المطالب والأهداف ، وما سبقها من حملات إعلامية من مختلف القوى السياسية المصرية وما تلاها من تقارير متضاربة وآستنتاجات متفاوتة وغير مترابطة نموذج حي على وصول الثورة لمرحلة حرجة وغير مبشرة .
جعلني المشهد أتسائل ما الذي دفع العربة لهذا المنزلق الذي يجعل من الصعب التحكم فيها وفي مصيرها ويدوس على كل القيم والأهــداف التي قامــت الــثورة عليها وبـها ؟
والرد ليس بعسير حيث يمكن للمتابع أن يرى أن ما أوصل الأمور لما هي عليه هو التدافع الغير متعقل على جني ثمار لم تنضج بعد ولم يحن وقت قطافها ، هذا التدافع الذي يحركه وقود الأيديولوجيات المختلفة التي تتحكم في الشارع وفي النخبة السياسية  وحضرني تعريف عالم الإجتماع الشهير البروفيسور كارل منهايم Karl Mannheim للأيديولوجية في كتابه "الأيديولوجية والطوبائية" الذي نشره عام 1936 فيقول بأنها "الأفكار المشوهة التي تطلقها الطبقة الحاكمة لتحافظ على النظام الاجتماعي الحالي أو النظام الاجتماعي السابق أو هي التعبير الفكري لجماعة من الجماعات وهذا التعبير يساعدها على تحقيق أهدافها وطموحاتها" ، ويفسر هذا تسارع كل فريق منهم لإظهار حجم قوته وتأثيره في الشارع وقدرته على الحشد الجماهيري والتي تعني قدرته على التأثير في صنع القرار ، فمنهم من أستخدم قوته سلبا بالتشكيك في نوايا وأنتماءات الفئة التي خرجت للمطالبة باستكمال تنفيذ المطالب الأساسية للثورة وطالب أتباعه ومريديه بعدم الخروج أو الإشتراك بأي صورة من الصور في التظاهرة ، ومنهم من لم يكتفي بذلك وإنما وصل به العناد والتطرف حد الرضا بالأوضاع ورفض إستكمال أعمال التطهير والمحاسبة بحجة أنه يسعى للإستقرار ، حتى أصبح يتحدث بلسان أعضاء الحزب الوطني المنحل ويقبع معهم في نفس الخندق!!
عندما أشتعلت الثورة أذاب لهيبها الفوارق كلها وعندما كانت في عنفوانها وتسير في طريقها الصحيح لم يكن هناك رجل وامرأة ، لم يكن هناك  ليبرالي ، إخواني ، سلفي ، ماركسي  لم يكن هناك نوبي ، بدوي ، قروي ، جنوبي ، أختفت الفوارق تحت مظلة الأهداف الواحدة ، والمطالب المشتركة، عدالة ومساواة ، تطهير ومحاسبة ،  حرية شاملة تطول النقابات والجامعات والمؤسسات الإعلامية ، وتحرير للقضاء من أي ضغوط ، القضاء على البطالة، ورفع المستوى المعيشي ، والقضاء على غول الفساد.
فمن الذي استطاع في غفلة من الزمن احياء الصراع الأيديولوجي وتقويته وجعله سيد الموقف الأن، حتى تناسى الجميع الأهداف الأساسية وتفرغوا لتكفير وتجهيل وإنكار حق الأخر في الوجود؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق