الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

من الصدمة الى الغضب

لا أظن ان هناك انسان لديه شعور وحس انساني لم يهتز لمشاهد القمع والقتل والتنكيل التي شاهدناها جميعا في التحرير وبعض ميادين مصر الأخرى في الأيام الماضية، الا أن مشهد الفتاة التي هاجمها العديد من الجند بعدتهم وعتادهم فسحلوها ونزعوا عنها ثيابها كان أكثر المشاهد الصادمة والتي لا أعلم لها نظيرا على الاطلاق ، وزاد بشاعة المشهد التنكيل الذي نال كل من حاول أن يدرأ عنها العذاب أو يستر جسدها الذي انتُهكت حرمته علنا وممن يفترض أنهم حماة الأرض والعرض. 
لم تتوقف بشاعة المشهد عند هذا الحد ، ولكن ما تلى ذلك من نقاشات وتصريحات فجر بداخلي بركان من الغضب ، ففي مثل هذه المواقف تسقط الأقنعة وتصبح الكلمات والشعارات لا قيمة لها ، ولا يمكن قبول اي حجج أو مبررات تسوٌغ حدوث مثل هذا المشهد المفرط في البشاعة!

تصورت أن المشهد لا يقبل المزايدة ولا يحتاج لنقاش و تحليل .. الصورة واضحة تغني عن اي كلام، وبالرغم من ذلك انهالت التحليلات والادعاءات وبدأت عجلة التشهير في الدوران وصاغت الكثير من الروايات والحكايات واخذتنا في طرق فرعية لا معنى لها لتشويش الرؤية وصرف الانتباه عن الكارثة الحادثة. 

من هي ؟ ماذا تفعل في الميدان؟ ماذا كانت ترتدي ؟ أين ذهبت؟ هل المشهد مفتعل لاثارة جماعات الاسلام السياسي الخاضعة تماما لكل ما يمليه عليهم العسكر وحتى الوصول للكرسي؟ هل الفيديو مزور؟ 

أسئلة لا محل لها من الاعراب وغير ذات مغزى ولن تصل بنا الى هدف.

 يا بشر يا من أكرمكم الله بالعقل .. هل هناك مبرر ترتضية الانسانية ويرتضيه الضمير والعقل لأن تهان فتاة بهذا الشكل ، ولم تكن هي وحدها من تعرضت للأذي ولكنها وحدها من شائت لها الأقدار ان تنتقل صورتها فتحتل الصفحات الأولى في كل صحف الأرض من أقصاها الى أدناها. 

في هذا اليوم ظهرت أشد الوجوه قبحا وبشاعة وتجسد الفكر المتعصب في شكل مخلوق مشوه لا يفهم الروح الحقيقية للأديان السماوية، ولا يعرف الا لغة المصالح التي تجعله يغض الطرف حتى عن الأعراض المنتهكة فلا ينطق الا بسخافات تثير الغثيان، ظهر لنا من هم أصحاب المبادئ ومن هم على استعداد للمساومة على كل شئ وبكل شئ مهما كانت قيمته. 

في هذا اليوم لم نقف امام جسد عارٍ ولكن وقفنا أمام الحقيقة العارية والتي هبت كريح قوية لم تصمد أمامها كل الأكاذيب.   

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

جروح دامية


منذ أن تفتحت أعيننا على الدنيا وما فيها لم تفارق مشاهد القتل والتدمير والتهجير الجارية على أرض فلسطين أعيننا ومخيلتنا يوما، كنا نتابع المؤتمرات والاتفاقات والمهاترات والسجالات التي يبثها الاعلام من كل حدب وصوب ، خطابات وأغنيات ، شعارات وأشعار ، ولم يتوقف الدم العربي عن النزف يوما. 
حتى استيقظنا يوما على فاجعة اكبر وبلاء أشد عندما وجدت الادارة الأمريكية أن مصالحها تقتضي دخول العراق والقضاء على أي مظهر حضاري فيه وتدمير بنيته بحيث لا تقوم له قائمة في القريب العاجل ، جرح اخر اشد وطأة ونزيف اخر جعل الصورة اكثر بشاعة ودموية. 
ثم امتدت الأصابع المخربة لتعبث بباقي اجزاء الجسد المنهك فتصنع جرح اخر في السودان تتركه خائر القوى ممزق الى اشلاء، وحتى الطبيعة تشارك بقسوتها فتصنع المجاعات وتنقل لنا مشاهد اكثر ايلاما وبشاعة من الصومال المبتلى بالجوع والقتل. 

لم نكن نتوقع أن نصحو يوما على قتل وسفك يومي للدماء بين أيدينا وفي شوارعنا ومياديننا ، وليس ذلك في حرب نخوضها ضد عدو أجنبي يقتحم بلادنا ، وليس ذلك من فعل كارثة طبيعية لا نملك لها ردا فنحاول تدارك أثارها راضين بالقضاء والقدر. 

ولكن ما يجعل الأمر أكثر قسوة وايلاما ووحشية أن يفعل ذلك من هم منك يحملون جنسيتك ومن المفترض انهم مؤتمنون على حياتك ، واجبهم حمايتك وحماية مصالحك واسرتك وبيتك ووطنك ، الأكثر قسوة وايلاما أن تجد من يدعون أنهم القائمين على حدود الله يجدون لنفسهم الحجج والمبررات للسكوت والرضا طمعا في مصالح خاصة ، متعلقين بكرسي مغمور حتى منتصفه بالدماء ، لن يكون لهم فيه قرار ولن يمارسون عليه سلطة. 

الأكثر قسوة وإيلاما أن تجد اللامبالاة تعود فتخدر العامة وتجعل من مشاهد القتل والسحل اليومية اشياء لا تستحق ان نلتفت اليها فالصراع من أجل رغيف الخبز وانبوبة الغاز استهلك طاقتنا والاعلام الموجه لا يكف لحظة عن ممارسة الشعوذة . 

كيف تضخم الفساد وتغول وأحكم قبضته الى هذا الحد الذي اصبح له كل هذا الجند المسخر لرعايته وحمايته وتغذيته ومحاولة الابقاء عليه بأي ثمن مهما كان فادحا . 
نحن لم نطلب الا العدل لماذا عزت هذه الأمنية الى هذا الحد وما هي الصعوبة الشديدة في فهم هذا المطلب؟ 

<<الثورة يصنعها الشرفاء، ويرثها ويستغلها الأوغاد.>>
"تشي جيفارا"

السبت، 19 نوفمبر 2011

في غياب القائد

عشرة أشهر من قيام الثورة في مصر ، ومازال الخلاف والشقاق والتحزب سيد الموقف ، ندور في دوائر مغلقة ، تتصارع الارادات والرغبات ، وتتشابك الخيوط ، وبالرغم من أن الجميع يتحدث لغة واحدة ويكرر نفس الأحاديث عن الحرية والحقوق والعدالة وحب الله والوطن ، الا أننا نفشل في فهم بعضنا البعض ، ونفشل في الاجتماع على مبدأ واحد والثبات عليه ، ونفقد الثقة في جميع الوجوه والاتجاهات ، فالكل له ثمن ، وبين سيف المعز وذهبه تتغير الذمم وتتبدل الأقوال وتهتز المبادئ وتضيع حقوق المهمشين والذين لا يتقنون فنون اللعبة. 
عشرة أشهر لم يظهر لنا وجه يمتلك صفات وخواص القائد يستطيع جمع ما تفرق ، ويمكن الاعتماد على قدراته في ايجاد حلول للمشاكل المستعصية، أو يمكن الركون الى أمانته وقوته وقدرته على الصمود والحشد ، وحتى من يتخذون مواقف قوية وتعلو أصواتهم سرعان ما تتبدل أحوالهم ويغيرون اتجاههم بعد لقاء مغلق تعقد فيه مساومات لا علاقة لها بشعب يريد أبسط حقوقه الانسانية ولا يعنيه حسابات الكبار واتفاقاتهم.
عشرة أشهر لا زرع ولا حصاد ولا بارقة أمل في تغيير حقيقي يمكنه أن يصنع فارق ، فكأننا نعيش الخدعة الكبرى حيث كل شئ يتم بشكل صوري والجميع على الساحة يقدم اداء مسرحي غث وفاشل .
محاكمات صورية لا ترقى حتى لأن تسمى بالمهزلة وعندما يطالب محامي اهالي الشهداء برد المحكمة تُسقط نقابة المحاميين عضويته!! 
قانون العزل السياسي وقانون الغدر لم ولن يتم تطبيقهما، ومازال الفاسدون يمرحون ويستعدون للعودة الى المجلس بلا حسيب ولا رقيب متحدين الثورة والثوار والشعب.
البلطجة أصبحت سيدة الموقف فكلما ارتفعت الأصوات مطالبة بمحاسبة المفسدين واعادة الحقوق لأصحابها أطلقوا عليهم البلطجية لترويعهم واخراسهم في حماية قوات الأمن!
نظام انتخابي مختلط من أعجب القوانين بلا أي ضمان لنزاهة العملية الانتخابية اللهم الا وعود وعهود من لا يحفظ عهدا ولا وعدا!
لماذا فشلت الثورة المصرية في انتاج قائد قوي يتمتع بالأمانة والمثابرة والشجاعة الكافية لتحمل المسؤولية ، ويمكنه ضم الجميع في نسيج واحد تحت لواء واحد من أجل هدف واحد؟
لماذا فشلنا جميعا أن نكون على قدر المسؤولية ونوحد أهدافنا وجهودنا؟ 
لماذا لا يفهم الجميع أن هذه الفترة مصيرية فإما أن نكون ... أو لن نكون أبدا.



الجمعة، 7 أكتوبر 2011

إضراب

لا يمر يوم في مصر دون أن نسمع عن انضمام احد الفئات العاملة الى قائمة المضربين عن العمل، الأطباء، المعلمون، الصيادلة، عمال النقل، المراقبون الجويون، العاملون البريد، العاملون بمصلحة الضرائب، أساتذة وطلبة الجامعات، المحاميون، بالاضافة لإضرابات العمال في معظم مصانع مصر، وأخيرا وليس أخرا إضراب الصحفيين إحتجاجا على الرقابة العسكرية على الصحف.
كل شئ تقريبا توقف عن العمل، وأصبحت البلاد على شفا إضراب عام شامل، والعجيب أن لا تجد هذه القوى المضربة أذان صاغية تستمع لشكواهم وتحاول حل المشكلة، وإن وجدت فالأمر لا يتعدى الوعود والعهود وفي أحسن الحالات إعطاء بعض المسكنات والتي لا تفيد ولا تحل المشكلة على المدى البعيد. 
وبالنظر للأسباب والدوافع وراء الاضرابات سنجدها جميعا على نفس المنوال، كلها تطالب بنفس المطالب المشروعة المفهومة والتي لا تحتاج الا لبعض القرارات الحاسمة تشعر العاملين بأنهم على طريق الاصلاح وأنهم يقفون على أرض صلبة وأن المؤسسة التي يعملون بها تحقق لهم طموحاتهم وتحفظ حقوقهم وتحترم تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
ففي عصر مبارك أبتليت كل مؤسسات الدولة وهيئاتها ومصانعها بأشخاص تم تعيينهم لأسباب غير مفهومة، يقومون بوظيفة غير مفهومة، ويحصلون على رواتب من أرقام فلكية تستهلك الميزانية وأيضا لأسباب غير مفهومة.
فلا أعتقد أن مجرد الولاء للنظام سبب كافي أو منطقي يسمح لهؤلاء بالاستئثار بموارد الدولة وبالمناصب الهامة فيها بغض النظر عن مؤهلاتهم أو خبراتهم أو أحقيتهم بهذه الوظائف، وهذا ما جعل وجودهم وبالا على أماكن عملهم وسبب تراجعها وقادها نحو الخراب.
ولذلك يكون من المنطقي والطبيعي أن تتخذ إجراءات وقرارات حاسمة تعيد الأمور الى نصابها والحقوق الى أصحابها، وأبسط هذه الاجراءات والتي كان يمكن أن تجنب البلاد العديد من الاضرابات هي وضع حد أقصى وحد أدنى للأجور كما وعد بذلك رئيس الوزراء عندما كان محمولا على الأعناق في الميدان ويقسم بالله على رعاية مصالح الدولة وتحقيق أهداف الثورة ، لقد وعد بتحقيق ذلك خلال شهر من توليه المنصب، وها هي الشهور تمر دون أن يتحقق ذلك. 
إهمال المطالب المشروعة وتجاهلها والاعتماد على القوة في فض الاعتصامات لن يحل المشكلة وانما فقط يوغر الصدور ويزيد الأمور تعقيدا.
الغريب أن تثير الاحتجاجات والاضرابات العمالية إهتمام العالم ونجد أصوات من الخارج مثل صحيفة الواشنطن بوست تحذر من استمرار تجاهل مطالب العمال بينما في الداخل لا أحد يستمع أو يهتم. 



السبت، 10 سبتمبر 2011

الجدار وفقدان التواصل

يمثل كل انسان كيان مستقل بأفكاره وأحلامه وطموحاته وذكرياته، وكأن لكل انسان دائرته الخاصة والتي تتقاطع مع دوائر أفراد مجتمعه والمحيطين به فيفهم منهم ويفهمون منه بمقدار ما تتقاطع دوائرهم، وبمقدار ما يتيحون لبعضهم من فرصة للتقارب والتواصل واندماج الدوائر، بدون هذا الاقتراب والتواصل يتحول الأفراد لقوالب مصمتة يتصرف كل قالب منها بمعزل عن الأخر وبدون مراعاة لحدود وحقوق الأخر فيحدث الصدام وتبدأ الصراعات وتسوء الأمور. 
ينطبق ذلك على كل العلاقات البشرية بما فيها علاقة الحاكم بالمحكوم، فلو لم يكن ذلك الحاكم يحوز رضا معظم المحكومين ويتفهم احتياجاتهم ويكون على تواصل دائم مع نبضهم وإرادتهم والتيار الذي يسير فيه الرأي العام، يفقد هذا الحاكم أهليته للحكم.
فعندما يعترض الشعب بمختلف أطيافه على تولية أحد الأفراد لمنصب يرون أنه لا يستحقه ولديهم أسبابهم المنطقية والعقلانية ثم يصر الحاكم على توليته المنصب فهذا فقدان للتواصل.
عندما يكون هناك اهدار للمال العام واضح لكل ذي عين واستغلال للنفوذ وفساد يتم السكوت عليه بينما تفرض المزيد من الضرائب والأعباء على الطبقات المطحونة فيعلوا صراخهم دون أن ينصت أحد أو يتراجع عن فرض المزيد من الضرائب، فهذا فقدان للتواصل.
وعندما ترفض الغالبية العظمى من الشعب توريث الحكم لفرد خالي من المؤهلات ولا يتمتع بأي شعبية فيكون رد الفعل هو الاستمرار في تمهيد الطريق لوصوله للحكم وتكريس وسائل الاعلام وموارد الدولة لخدمة مشروع التوريث ، فهذا فقدان للتواصل. 
عندما يستجير الفلاحون بكل الجهات المسؤولة ان تهتم بمأساتهم في عدم توفر ماء الري وفساد البذور وارتفاع أسعار السماد واحتوائها على مسرطنات وافتقادهم للرعاية والاهتمام وهم عماد الدولة وأمنها الغذائي الذي يجب دعمه وتشجيعه  فلا يجدوا اذان مصغية ويروا الماء وقد تم تحويله ليسقي استراحات الكبار وملاعب الجولف، فهذا فقدان للتواصل. 
وعندما تفقد التواصل في امور مصيرية وتضع الشعب بين كفي الرحى فيصبح مطحون على كل الجوانب فأنت تبعث فيه قوة من ليس لديه شئ ليخسره ولا تكفي كل القوى القمعية في الوجود لايقافه وترهيبه والحد من اندفاعه فتحدث ثورة. 

لم يختلف الأمر كثيرا في أحداث السفارة الاسرائيلية، فقد صرخ الشعب وخرج غاضبا يعبر عن سخطه الشديد لمقتل جنوده على الحدود وانتظر طويلا لأي رد فعل مناسب من ساسته يحفظ له ماء الوجه ويشعره أن كرامته التي ثار من أجلها استردها أو استرد بعضا منها. فماذا كان رد الفعل !!  فقط مزيد من الحماية والرعاية للسفارة الاسرائيلية ، وجدار يذكرنا بجدار غزة على أراضي القاهرة ، بينما على الجانب الأخر نجد قرارت حازمة وحاسمة وقوية من الحكومة التركية المنتخبة التي تحترم مواطنيها عندما لم تنصفهم الأمم المتحدة ولم تعيد لهم حق ضحاياهم في سفينة مرمرة. 

ليس من المستغرب اذا أن يحدث ما حدث وبدلا من الاسراف في استخدام القوة ولوم شباب متحمس على اندفاعه ، لوموا من لم يقوم برد الفعل المناسب في الوقت المناسب لمنع التصعيد ، لوموا من صم أذانه وفقد التواصل مع صوت الشعب ورغبته في الشعور بكرامته الانسانية التي فقدها لعقود. 
لا يمكن أن تحكم شعب ضد ارادته وضد طبيعته ، قليلا من الفهم والتواصل والحسم يصنع فارق.

الأحد، 14 أغسطس 2011

عصر الخداع

الخداع أحد المهارات التي يكتسبها الانسان منذ الصغر قد تبدأ معه كوسيلة لحماية نفسه من اللوم والعقاب أو كوسيلة لجذب الانتباه وتحقيق مكاسب كنيل المزيد من الرعاية والحماية من الأهل والمحيطين ، وكلما تقدمت به العمر كلما أصبح أكثر احترافية وتنظيما في ممارسة فنون الخداع ، وأصبح يستخدم تقنيات أكثر تعقيدا ويصعب اكتشافها من قبل الأخرين لتحقيق أغراضه ، قد يمارس الانسان الخداع لتحقيق ترقية في جو تحتدم فيه المنافسة فينال ما ليس له ، وقد يستخدم الخداع للهروب من جرائمه والتغطية عليها ولا عزاء لضحاياه فالقانون لا يحمي المغفلين والعدالة عمياء يقودها أصحاب النفوذ ، و قد تستخدمه الحكومات في السلم والحرب لتأمين البلاد ووقايتها من الأعداء والذين لا يدخرون هم أيضا وسعا في أستخدام كافة أساليب الخداع في منافسات لا تنتهي على النفوذ والموارد .
وفي عصرنا هذا وصلت أساليب الخداع والتضليل ذروتها فأنت معرض على مدار اليوم لكافة صنوف الخداع ، من إعلام موجه مدفوع من العديد من الجهات تزين لك الباطل فتجعله حقيقة لا تقبل الجدل ، وتجعل من الضحايا جناة ومن القتلة أبرياء يدافعون عن أنفسهم ومن الجبناء والعملاء أبطال صناديد يحملون قضايا الوطن ، لا مانع من أستخدام كل الحيل واللعب بكل الأوراق ، إذا كان ما سيقنعك لحية أطلنا اللحى وإن كان من يكتسب ثقتك يرتدي المعطف الأبيض ألبسناه المعطف ، إن كنت تستمع لكبار السن والحكماء أستأجرنا لك بعضهم ولكنهم سيتحدثون أيضا بلساننا ويقولون ما نريد أن نضعه في عقلك.
في العمل أنت معرض للخداع وقد تقع ضحية منافسين غير شرفاء ، واذا أردت أن تشتري بضاعة ستجدها مختومة بعدة أختام تضمن جودتها ولا يمنع ذلك من احتوائها على مسرطنات ومواد ضارة جدا بصحتك .

والمؤلم حقا أن يتم خداعك من أقرب الناس لديك أو ممن أوليتهم ثقتك وسلمت لهم أمرك وتوسمت فيهم الرفعة والشرف فيبتسمون في وجهك وبينما أنت ترفعهم على الأعناق وتهتف باسمهم من أعماقك تتلقى منهم رصاصات غادرة أو صعقات ترديك وتفقدك القدرة على الحركة وتتركك خائر القوى محطم النفس تتخبط بين ألم الجسد وألم طعنة الغدر التي أصابت كرامتك في مقتل !

وبالرغم من قسوة خداع المقربين على النفس إلا أن خداع النفس أقسى وأفدح ، وقد يكون هو سبب بلائنا فالمخادع يعرف كيف يختار ضحاياه ولا يجب أن نعفي أنفسنا من المسؤولية إذا سمحنا للمخادعين بالإيقاع بنا مهما كانت أسلحتهم ومهما تعددت وسائلهم وتكاثرت جنودهم وأنعدمت ضمائرهم وفقدوا الحس الانساني. 

اعرف عدوك وحدد هدفك ، لا تدخل في حروب جانبية ومشكلات فرعية ، لا تتصارع على الفتات وتترك المخادعين يسرقون حياتك ومقدراتك.

ولا تستسلم يوما للخداع ،،،،

السبت، 30 يوليو 2011

خطوط حمراء

الميلاد ، أول ثورة يعرفها الإنسان حين يكتمل تكوينه ويصبح كائن قادر على خوض غمار الحياة ، يولد الانسان من الألم ويعبر أول الخطوط الحمراء بين ظلام الرحم وسكونه وضيقه وبين العالم الفسيح بضيائه وضوضائه ، حيث لا مجال للعودة ولا توجد قوة قادرة على ابقاءه أو اعادته ، وبمرور الأيام يجد الإنسان نفسه في كل مرحلة بحاجة ماسة لعبور المزيد من الخطوط الحمراء التي فرضتها عليه قدراته أو فرضها عليه الكبار وأصحاب السلطة في حياته ، ومع كل عبور تتطور شخصيته وتنفتح على المزيد من الاحتمالات والخيارات قد تكون خيارات سليمة فيها خيره وقد تكون خيارات خاطئة فيها معاناته ، ولكن في النهاية لا يكون هناك مجال للعودة بعد عبور الخطوط الحمراء .
وكذلك الثورة ميلاد جديد اكتسح فيها الشعب كل الحواجز وعبر الخطوط الحمراء والتي ظلت تُنسج حوله لسنوات طويلة وتضيق عليه الخناق وتكبله في كل يوم بالمزيد من الأغلال وتمنع نموه وتحجب عنه نور الحياة ، في لحظة أكتمل نمو هذا الكائن وضاقت عليه زنزانته التي وضعه فيها سجانوه ليستولوا هم على ثرواته ومقدراته معتقدين ان الخوف كفيل بابقاءه خلف الحواجز لا يرفع رأسه ولا يجروء على التطلع لما وراء الخطوط الحمراء بعينيه.
لقنوه كل يوم في محبسه: "الديمقراطية" خط أحمر انتم شعب غير مؤهل لتحمل الديمقراطية ، "الشرطة" خط أحمر هم ليسوا هنا لحمايتك ولكن للتأكد من بقائك خلف الأسوار والتنكيل بمن يجروء على رفع عينيه أو فتح فمه ، "عائلة الرئيس" فوق المحاسبة وفوق النقد لا يجوز لك ان تحلم الا بتقبيل اقدامهم ولو سرقوك وأمرضوك وضيعوا مستقبلك ومستقبل الأجيال القادمة ، و "ابن الرئيس" هل تقارن نفسك به ؟ هل جننت ؟ هل تتصور انه بشر مثلك أو أنك ومهما نلت من علم وخبرة وقوة وثقافة يمكنك أن تضاهيه وهو ابن الرئيس ؟ "القضاء" ، "كامب ديفيد" ، "موارد الدولة" ، "رقابة دولية على الانتخابات"........... الى ما لا نهاية له من الخطوط الحمراء .
الأن بعد الميلاد الجديد لا يمكنك أن تُبقي على الخطوط الحمراء وخاصة اذا كان الشعب يعلم ما ورائها ولم يعد ما فيها خافيا عليه، ولم يعد ارهاب استخدام القوة المفرطة يسكته، ولم يعد يكتفي بالطمأنة بعهود ووعود لا تتحقق، ولم يعد تلفيق التهم والتخوين بلا أدلٌة يجدي معه.
لم يبقى الا أن تعترف بأدميته وتعامله كانسان لديه عقل وكرامة وتلتزم معه الشفافية والصدق وتحقق له العدالة المرجوة ، وهو لم يطلب ومنذ اليوم الأول غير ذلك "عيش" "حرية" "كرامة انسانية".

الجمعة، 22 يوليو 2011

في الظلام

الظلام ، ظاهرة طبيعية كانت ولازالت تثير نوع من الخوف الفطري لدي الإنسان ، فهي تعطل أحد حواسه الهامة التي يعتمد عليها في إدراك ما حوله ، وتجعله في توجس وحيرة من أمره وترقب لما يمكن أن يكون قد تخفٌى له تحت جُنح الظلام ، فقد أعتدنا أن نُلحق كل الشرور والأثام والخطايا والخبائث بالظلام، والكثير من الأفعال والرغبات الغير مشروعة تجد فرصة للتعبير عن نفسها وفرض وجودها عندما ينحسر الضوء ويلفها الظلام بستره.
عندما تواجه عدو لك في الظلام لا تدرك ماهيته ولا تستطيع لمسه يكون الأمر محير ومرعب فأنت لا تعرف حجمه ولا أدواته ولا مدى قوته ، لا تعرف دوافعه أو نواياه أو حجم الأذي الذي يمكن أن يلحقه بك، يجعلك ذلك تفقد الكثير من قوتك وقدرتك على التفكير المنطقي ويعطل انتاجك لردود افعال متناسبة مع ما تواجهه من مخاطر.
هذه هي الصورة التي أصبحنا نعيشها في مصر الأن، فقبل الثورة كان للفساد والظلم وجوه وأسماء ، كانت له مبررات مفهومة ، كان العدو معروف والهدف محدد، الأن أشعر أن هناك ضباب حالك السواد أنتشر عمدا حجب عنا كل الحقائق وعطل العديد من حواسنا التي تساعدنا على الفهم، فالقاطرة مازالت تسير على نفس القضبان وفي نفس الإتجاه الذي يدفعنا للهاوية ولكننا لا نرى القائد ولا نفهم دوافعه ولا نستطيع الوصول إليه ، من الذي يصر على الإبقاء على منظومة الفساد عاملة وفي أوجها؟ من الذي يحمي الفاسدين ويعطل محاكمتهم والقصاص منهم ؟ من الذي يريد ببلادي أن تظل في القاع وبشعبي أن يعاني القهر والفقر، من الذي يضيع علينا الفرصة في الخروج الى النور وإيجاد مكان تحت الشمس يليق بنا كبشر؟ 
من الذي يختفي وراء كل تلك الأقنعة والذي يدير المسرح من الخلف فكلما نزعنا وجه وجدنا وجه أخر يسير على نفس النهج دون تغيير!
لم يبقى لنا في الظلام غير التكهنات والظنون ، والرمي بالسهام الطائشة ، متسائلين هل هي قوى خارجية أم داخلية ، عربية أم غربية ، ماذا تريد منا ، مَنْ مِن بيننا يؤيدها ويعمل لصالحها ، من مخلص للقضية ، ومن باعها وقبض الثمن .
لم يبقى لنا سوى الصراخ في الظلام ملقين الإتهامات يمينا ويسارا، فالكل يصيبه الإرتياب في الظلام حيث يتمكن الأعداء من الإندماج في الصف ساعين لتخريبه وتفريقه بينما هم يرفعون الصوت عاليا بالتأييد والمؤازرة.
أصبحنا كمن يحارب وحوش أسطورية لا يراها ولكنه يسمع زئيرها المرعب يهز الأركان ، أو كمن أضاع عمره في محاربة طواحين الهواء فلا هي توقفت ولا هو أعلن انسحابه.

الجمعة، 8 يوليو 2011

العودة الى الميدان

هل مازال هناك أحد يراهن على عامل الوقت واستنزاف طاقة الغضب هل هناك من يعتقد حتى الأن أن بث روح الفرقة والخلاف على الفتات والدخول في صراعات عبثية كالدستور أولا أو الإنتخابات أولا يمكن أن يشتت الجهود ويضيع الأهداف والمطالب الأساسية التي قامت الثورة من أجلها؟
هل مازال هناك من يراهن على طيبة الشعب وسذاجته والتي صنعت منه مطية للفاسدين والمتجبرين؟ 
اذا كان هناك أحد يعتقد بعد اليوم أن الشعب المصري سييأس أو تنطفئ همته فهو الساذج حقا ويحتاج لمن يفتح له عينيه ويطلعه على الحقائق ، فالأمر أنتهى بالنسبة لنا، انتهى، لن نقبل المزيد من الظلم، لن نسمح بمزيد من التضليل والتجهيل، لن نتنازل عن المزيد من حقوقنا، أردتم فرصة لإثبات حسن النوايا وبداية اجراءات التطهير والمحاسبة، أعطاكم الشعب ثقته وأفاض عليكم من صبره، ولكن ثقته لم تكن عمياء بل ثقة المراقب الحذر الذي ذاق الأمرين ودفع الثمن غاليا ، وصبره لم يكن مفتوح بل محدد المدة ومقترن بالنتائج الملموسة على أرض الواقع.
عندما ترك الثوار الميدان بعد أن تم الإعلان عن بداية محاكمة رموز النظام السابق ، فتم اصدار العديد من القرارات بحجز بعض الأسماء الممقوته 15 يوم على ذمة التحقيق ومن ثم تجديد المدة ، ثم تجديد أخر، غابت الشفافية تماما عن التحقيقات ولم نشاهد المتهمين مرة واحدة في قفص الإتهام، وفي النهاية تم تبرأتهم من التهم الموجهة اليهم مع صدور بعض الأحكام الغيابية على أشخاص فروا بالحصيلة لدول أخرى وحصلوا على جنسيات جديدة، ولم يختلف الأمر مع ضباط الداخلية المتهمين بقتل متظاهرين بل  الكارثة أن الكثير منهم تمت مكافئته وترقيته، وكان من الطبيعي أن تزيد تجاوزات الشرطة ويعودون أكثر شراسة مما سبق ويسقط بين أيديهم المزيد من الضحايا، ثم يتطور الأمر لترهيب أهالي الضحايا لقبول مبالغ مالية مقابل التنازل عن حقوق أبنائهم الشهداء، والمفجع أن يؤيد بعض الشيوخ ورجال الدين هذا مع علمهم أن الدية شرعت فقط في حالات القتل الخطأ فأي دين وأي إله تتبعون؟ 
كلما هدأ الشعب وحاول أن يعود لحياته وعمله يعود نظام مبارك ممارسا كافة أساليب الإستفزاز ويؤكد أنه مازال قائما لم يسقط ولم يتزحزح ويؤكد للشعب أن الثمن الذي دفعه للحرية لم يكن كافيا لنيلها ولم يكن كافيا لإقالتهم من مناصبهم ومحاسبتهم ومحاكمتهم على ما أجرموا في حق مصر وشعبها.
لم يعرف هؤلاء أن الشعب على أستعداد لدفع المزيد من دمائه وحياته وليس على أستعداد للإبقاء على هؤلاء في كراسيهم أو تركهم يفرون بجرائمهم ويمارسون استعلائهم وفسادهم دون حساب.
المشهد اليوم في كافة محافظات مصر يثبت أن الثورة مازالت حية وفي كامل عنفوانها والشباب لن يتركوا الميدان هذه المرة وحتى تتحقق مطالب الثورة.
وما ضاع حق وراءه مطالب.

السبت، 2 يوليو 2011

سلسلة العنف

أصبح استخدام العنف مشكلة حقيقية تواجه مجتمعاتنا وتهددها بشكل صارخ وأصبح ضحايا العنف على اختلاف اشكاله وأسبابه يمثلون ملايين البشر فلا يوجد مصدر خطر يهدد البشرية بمقدار ما يمثل العنف من تهديد لكافة الأعمار وحتى للأجنة في بطون امهاتهم وبنظرة سريعة على القنوات الإخبارية يمكن قياس مدى ما وصلت إليه حالات العنف حول العالم من تفاقم فخلال عشرة دقائق يمكنك حصر العديد من ضحايا الإنفجارات والصراعات المسلحة والحوادث وضحايا الرأي .
عندما يتعرض الإنسان في سن صغيرة للعنف سواء على مستوى أسرته أو مجتمعه ينشأ مشوش الفكر وتختل عنده القيم والمفاهيم لا يمكنه التعبير عن ذاته ورغباته بشكل صحي وقد يتحول اما الى انسان انطوائي منعزل يشعر دائماً بالتهديد والرعب مما يحيط به من مؤثرات أو يسلك سلوك عنيف معادي للمجتمع، ولا ينكر أحد دور ما تقدمه الأعمال الفنية والسينمائية العنيفة في نشأة الأطفال على أعتياد مشاهد العنف وتشكيل مفاهيمهم بما يكرس ثقافة استخدام القوة بدلا من العقل لفرض سيطرتهم واثبات ذواتهم، يضاف لذلك ما يشاهده الأطفال ويعيشونه من سلوك الوالدين والمحيطين وخاصة في المجتمعات التي ينتشر فيها ضرب الزوج لزوجته وفقدان الإحترام المتبادل بينهما أو توجيه العنف والتمييز ضد الأطفال أنفسهم بما يصنع من الأسرة كيان مفكك ينتج للمجتمع أشخاص غير أسوياء نفسيا يعيدون الكرٌة عند إنشاء أسر جديدة.
لا يختلف الحال كثيرا في المدارس وبالرغم من إصدار العديد من القوانين التي تجرم الضرب ، فالكثير من التلاميذ وبعض الأساتذة تعرضوا لإصابات خطيرة أو حتى فقدوا حياتهم نتيجة استخدام العنف حيث لا يمكن أبدا تحقيق رقابة كاملة وشاملة على الجميع ما لم تتغير المفاهيم والأفكار ومناهج الحياة. 

فإذا أضفنا إلى ذلك وجود قصور وتراخي وتباطؤ في تنفيذ القوانين وفرض الأمن وعجز الإنسان عن نيل حقوقه بشكل شرعي ستتولد لدينا مزيد من طاقات العنف والإنحرافات ، فإذا لم تحمي القوانين العامل سيجد من يستغله ويسيئ أستخدام السلطة والنفوذ والمال فيولد ذلك لديه رد فعل عكسي حيث تعتمل بداخله مشاعر الغضب والإحباط والظلم والتي قد تدفعه لإرتكاب أعمال عنيفة للثأر لنفسه وتهدأة غضبه وكذلك الحال في جميع مناحي الحياة التي يتواجد فيها احتكاك يومي بين البشر.

ولا يختلف الأمر كثيرا على مستوى الشعوب والحكومات فاستخدام القمع والعنف المفرط لفرض حالة من الرضوخ للظلم تولد لدى الشعوب حالة من الغضب الشديد ويصبح الأمر ثأر لا ينطفئ وقد يدفعهم ذلك لإستخدام العنف المضاد كرد فعل طبيعي على الممارسات القمعية. 

إذا كان هناك إصرار على حماية الفساد والمفسدين وإضاعة حقوق الضحايا وقهر كل من يطالب بإحقاق العدل والتطهير والإصلاح فهذا حافز لأصحاب الحقوق لإستبدال المقاومة السلمية بمقاومة عنيفة طالما أن المطالبات السلمية لم تجدي نفعا.
فهل وعت الحكومات الدرس أم أن الأمر يحتاج للمزيد من الضحايا والخسائر ليفهم من أسكرتهم السلطة والسطوة أن العنف لن يولد غير العنف!

وأتأمل في عبارات غاندي 


"أنا أُقرٌ بوجود الطاقة التدميرية، لكنها زائلة وعقيمة دوما  أمام الإبداعي الذي هو الدائم، فإذا كان للطاقة التدميرية اليد الطولى ، فستنهش كل الروابط المقدسة ، الحب بين الأبوين والطفل ، الأخ والأخت ، السيد والتابع ، الحاكم والمحكوم".

و

"عندما أشعر باليأس ، أتذكر أنه على مدى التاريخ دائماً ما ربح طريق الحق والحب. كان هناك طغاة وقتلة ولفترة من الزمن كان يبدو أنهم لا يقهرون ، لكن في النهاية دائما ما يسقطون ..... فكر في ذلك دائماً".

الاثنين، 27 يونيو 2011

لوحة سريالية

علاقة النفس بالجسد علاقة وثيقة عندما يتأثر أحدهما يؤثر على الأخر بدرجة قد تفوق كل التصورات ، فالطب الحديث أثبت وجود علاقة قوية بين المشاعر السلبية كالكره والغضب والحزن وتطوير بعض أمراض المناعة الذاتية أو ظهور خلايا غير طبيعية أو افراز الجسم لمواد تسبب التهابات أو ظهور بعض أمراض القلب أوالضغط أوالسكر، فالحالة النفسية تؤثر بشكل مباشر على مناعة الجسم وقدرته على مقاومة الأمراض وهذا ما يدرسه أحد فروع الطب الحديث المعروف ب psycho-neuro-immunology ومن الغريب أن يكون أول من تحدث عن الرابط بين ألام النفس والجسد هم الأطباء العرب أمثال ابن سينا والرازي فهل سار العرب على نهج الأوائل في الإهتمام بالصحة النفسية وهل واقعنا العربي قادر على انتاج أجيال تتمتع بالصحة النفسية والعقلية؟ 
بالنظر لحالة الركود الطويلة التي مرت بها المجتمعات العربية والتي غلب فيها اليأس والشعور بالضياع وفقدان الأمل في مستقبل أفضل ، هذه المشاعر العامة التي ترجمت في صورة أمراض جسدية كالصداع والشعور بالإرهاق والكثير من الأمراض التي اجتاحت أجساد شباب صغير السن أو أمراض اجتماعية كالشك والعصبية والتعصب أو في صورة لامبالاة قد تصل بالبعض لإهمال دراسته وحياته وحتى اللجوء لمغيبات العقل على أختلافها وتنوعها. كان الجميع يعيش حالة من الإحباط ، فقد الناس القدرة على الإستمتاع بالحياة والحافز على العمل من أجل الغد، وحتى عندما لاحت في الأفاق بادرة أمل تعالت الأمواج من كل حدب وصوب لإطفائها أو اختطافها ، وأصبحت الأمور معقدة وغامضة بشكل يستعصي على الفهم ، أصبح من العسير علينا جميعا أن نتبين في وسط هذا الصخب الجنوني الأصوات العاقلة أو الصادقة أو المخلصة ، فالكل يدعي أنه وفريقه قد أحتكروا الحكمة والوطنية وأن سبيلهم وحده هو السبيل القويم وغيرهم من التيارات سيلقي بنا حتما الى التهلكة ، كيف يمكنك أن تفهم أو تحكم على من يؤكد أنتمائه للشعب وتأييده لحق المواطنين عندما تجده يعامل البسطاء والأبرياء بمنتهى الوحشية بينما يسرف في تدليل وحماية الفاسدين وناهبي المال العام ، كيف تصدق من يقسم لك على وطنيته ونواياه الإصلاحية بينما تنشر له يوميا وثائق وتسجيلات تثبت ضلوعه في قضايا فساد وموالاته الكاملة للفاسدين ، بل كيف تصدق من يتحدث باسم الدين بينما ينطق بأشياء تخالف صراحة نصوص دينية معروفة للجميع إرضاء لهذا أو ذاك!
الصورة أصبحت سريالية تحتاج لمن يفك طلاسمها ، لا يوجد خطوط واضحة أو معالم يمكن الإعتماد عليها للوصول إلى الهدف ومشاعر الغضب والإحباط والضياع مازالت هي الغالبة، مازال الغد مبهم ويثير الخوف والقلق فهل من سبيل للخروج من الدائرة المغلقة!

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

عندما تتعدد الخيارات

يتجسد الشعور بالحرية بشكل واضح في نفوس البشر عندما تتوفر لديهم الخيارات المتنوعة ويكون المجال مفتوح أمامهم لتحديد ما يناسبهم بعيدا عن الضغوط النفسية أو المادية، وكلما تطورت الحياة كلما تعددت الخيارات وأصبح الإنسان في حاجة لإتخاذ العديد من القرارات بشكل يومي بداية من نوع ملابسه ولونها للمدينة التي يقطن فيها لنوعية الدراسة التي يريدها والعمل الذي يناسبه للطريق الذي يسلكه من أجل الوصول لعمله ووسيلة النقل التي تحمله اليه، طعامه، ديكور منزله .......... إلى مالانهاية له من الأشياء، تتعدد الخيارات بحسب الإمكانيات والثقافات والأذواق، بينما لم يكن لأجدادنا نفس هذا العدد الكبير من البدائل ونفس القدر من التنوع في حياتهم.
ولا يختلف الأمر كثيرا عند النظر في تاريخ الحياة السياسية والحزبية الحديث في مصر فالخيارات لم تكن مفتوحة في يوم من الأيام بشكل حقيقي وفاعل ويتيح للمواطنين التعبير عن قناعاتهم وانتماءاتهم بحرية، بداية من حقبة الإحتلال البريطاني لمصر حيث نشأت بعض الأحزاب والقوى السياسية المعارضة على آستحياء وكانت تعاني من ضغوط رضوخ مصر للإحتلال وتبعيتها لإسطنبول ، وما تلى ذلك من ثورة 1952 والتي أنشأت ما يعرف بهيئة التحرير في 23 يناير عام 1953 وتلاها الإتحاد القومي في  16 يناير 1956 والذين مهدا الطريق لنشأة الإتحاد الإشتراكي العربي في 29 اكتوبر عام 1962 والذي كان يتبنى أهداف المرحلة ويعمل على تقوية الإقتصاد الوطني بإنشاء قطاع عام قوي يقوم بدور رئيسي في تنمية الدولة ويعطي دور كبير وجاد للعمال والفلاحين في النشاط السياسي ويساند المشروع القومي العربي. 
ولكنه لم يسمح بوجود تعددية أو ظهور اي اتجاهات معارضة او مخالفة لسياسة الدولة واتجاهاتها ، وتعالت الأصوات المنادية بالتعدد وخاصة بعد هزيمة 1967 وما تلاها وحتى تولي السادات مقاليد السلطة والذي سمح بدرجة محدودة جدا من التعددية داخل الإتحاد الإشتراكي بتقسيمه لتكتلات او منابر تمثل اليمين "تنظيم الأحرار الإشتراكيين" والوسط "تنظيم مصر العربي الإشتراكي" واليسار "تنظيم التجمع الوطني التقدمي الوحدوي" والتي تحولت في عام 1976 لأحزاب ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في 1977 ولم يتيح ذلك الفرصة إلا لوجود مجموعة صغيرة من الأحزاب متمثلة في  أحزاب الوفد والتجمع والأحرار والعمل والحزب الوطني الديمقراطي والذي تولى السادات رئاسته.
الا أن أحداث 1977 قضت تماما على حيز الحريات المحدودة والتي كانت قد أتيحت للأحزاب والقوى السياسية للتعبير عن نفسها وحتى أنتهاء فترة حكم السادات باغتياله وتولي مبارك الحكم والذي سمح بانشاء العديد من الأحزاب في الحديقة الخلفية للحزب الوطني الحاكم وفرغها من جوهرها تارة بتعيين رؤسائها في مجلس الشورى وتارة بالدعم المالي، وبقانون الأحزاب المقيد.
ولم يكن من الصعب تخريب أي حزب يغرد خارج السرب أو إيقافه بالكامل كحزب العمل الذي تم اغلاقه ومصادرة جريدته المعارضة "الشعب" والذي ظلت قضيته متداولة في المحاكم لسنوات وسنوات، وغيره من الأحزاب التي تعرضت لهزات ونكسات كبيرة لمحاولاتها الظهور بمظهر المعارض الفعلي لا الصوري كحزبي الغد والوفد. 
وتفرد الحزب الوطني الديمقراطي بالحكم وحول الدولة سياسيا واقتصاديا لمؤسسة تخدم مصالح الأسرة الحاكمة والأعضاء المقربين منهم والذين يخدمون تطلعاتهم ويعملون على تنفيذ رغباتهم ، أصبحت الأمور كلها شكلية فهناك تعددية حزبية ولكنها  لم تقلص من تحكم حزب المصالح في شؤون الدولة ولم يكن لديها أي أمل في نيل أغلبية في يوم من الأيام أو حتى في الخروج بأفكارها خارج حدود مقراتها وحتى اجتماعاتها داخل المقرات لا تخلو من الرقابة والدسائس.
وهناك نظام رأسمالي ولكنه يعمل على أحتكار رؤوس الأموال في يد العائلة الحاكمة ويمنع ظهور أي مستثمر من خارج عبائتهم، وهناك سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية ولكنها تصيغ القوانين بما يخدم مصالحهم وتنفذ ما يدعم وجودهم.
فأصيبت الحياة السياسية والإقتصادية بشلل تام حيث غابت تماما الفرصة لوجود رأسمالية حقيقية و أصبح الإقتصاد كيان هش قائم على الإحتكارات والمضاربات واستغلال النفوذ وغابت تماما ثقافة الإنتاج وتم بيع أملاك الدولة في صفقات مشبوهة لا تخدم الا مصالح النخبة الحاكمة وأرتفعت معدلات البطالة وأنتشر الفساد وضاعت الحقوق وكانت هذه الممارسات المفرطة في الأنانية هي العامل الأهم والأقوى في قيام الثورة. 
وأخيرا وبعد سنوات وسنوات من التضييق والقمع والتغييب أصبحت الفرصة مهيأة لقيام أحزاب حقيقية تستند على فكر وأيديولوجية وأرضية في الشارع المصري ، ولكن هذه الفرصة التي تتاح لأول مرة أثارت الكثير من الخلافات والمشاحنات بين القوى والإتجاهات السياسية ، فالجميع أصبح لديه أمل أخيرا في تحقيق أحلامه وترجمة أفكاره على أرض الواقع ، وأصبح لديه أيضا تخوف من سيطرة فكر الأخر وتوليه مقاليد السلطة فبعد سنوات من القمع والإقصاء أصبح لدى الجميع هاجس بأن من يتولى الحكم سيسير على سنة سابقيه في اقصاء معارضيه والإستئثار بالسلطة. 
وأخذ الجميع في عقد مقارنات بين سلبيات وإيجابيات القوى المتصارعة وأهدافها التي تسعى اليها وما سيكون عليه الأوضاع في حالة فوزها بأغلبية برلمانية.
فكما أن الخضوع والكبت وإنعدام الخيارات يثير الحزن والأسى والغضب فكذلك تعدد الخيارات يثير الكثير من الحيرة والتخوف والصراع النفسي فقد لا يكون إختيارنا هو الخيار المناسب وقد لا يفي بما نريده ونتمناه ، ولكن يبقى الأمل دائما في القدرة على التغيير وتعديل المسارات الخاطئة طالما توفرت لنا حرية الإختيار.

الأربعاء، 8 يونيو 2011

بين التخوين والتكفير

ليس جديدا على تاريخنا العربي أستخدام منهج التكفير والتخوين في الحياة السياسية لإقصاء الأخر وقمعه وإزاحته من حلبة المنافسة ، وإن كانت الإنتفاضات والثورات الشعبية المعاصرة فتحت المجال واسعا للحديث عن الأجندات والعمالات لكافة أقطار الأرض وحتى السماء ولاقت المعارضة كافة صنوف الإتهامات بالموالاة للقوى الغربية والفارسية والصهيونية. 
وأنتشرت على صفحات الإنترنت روايات وحكايات عن نظرية المؤامرة التي أطلقت الثورات ودفعت بالشعوب للخروج نتيجة عمليات غسيل مخ أجرتها القوى العظمى لبعض الأطراف لتطبيق نموذج "الفوضى الخلاقة" الكونداليزي وتحقيق حلم "الشرق الأوسط الكبير" في تفتيت الدول العربية واضعافها وجعلها دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة.
وكأن الإستبداد والقهر والفساد والإفقار الذي مارسته هذه الحكومات على شعوبها لم يكن كافيا لإخراج الشعوب عن صمتها أو كأن الشعوب لا قوة لها ولا إرادة ولا عقل لترفع رأسها مطالبة بأدنى حقوقها الأدمية.
وإن كان هذا هو منطق الإستبداد ويمكن فهم أبعاده ودوافعه ، يكون من الصعب فهم أو قبول أن يكون ذلك هو منهج المعارضة نفسها بكافة أطيافها فيما بينها، فمن غير المقبول أن تتهم بعض الجماعات الدينية اصحاب الفكر الليبرالي بالكفر وحتى اذا صاموا وصلوا وأقاموا شعائر الدين وليس من المقبول أن يتم أستغلال أرتفاع نسبة الأمية وضعف الثقافة السياسية والحقوقية في توجيه الناس لرفض ما ينادي به هؤلاء من إصلاحات ومطالبات ستحقق الكثير من المكتسبات وستنهض بالدولة على كافة الأصعدة بسبب اختلاف الرؤى.
وليس من المقبول أن يتم اتهام بعض الجماعات والقوى السياسية الحرة بأنهم تلقوا تدريب وتمويل خارجي لتنفيذ مخططات هذه الدول التي يدعون تمويلها لهم بالرغم من أن هذه القوى السياسية تعرضت لصنوف التعذيب والتنكيل وبالرغم من أنهم يعزى لهم الفضل في إشعال أول شرارة في نفوس الناس حينما قالوا لا في وجه الإستبداد حينما كان في أوجه ، وأمنوا بالحلم عندما فقد الجميع الأمل في التغيير.

لا يمكن أن نمارس الإقصاء والعزل في وقت يجب أن تتضافر فيه الجهود ويشعر كل انسان بوجوده وينال حقوقه ، والإختلاف أمر طبيعي ووارد ويجب أن نتعلم قبوله فمن ليس معي ليس بالضرورة ضدي ، وليس بالضرورة خائن وعميل وغير مؤمن.

وبالرغم من سخافة هذه الإتهامات ودلالتها على وجود فكر رجعي وغير ناضج يحركها ويطلقها الا أن ما هو أعجب من ذلك أن ينشر أحد الأحزاب العريقة على صفحات جريدته دراسة طويلة يتهم فيها الليبراليين بالولاء لأمريكا وبأنهم صنيعتها ومدربين في معاهدها وهو الذي كان يفخر لقرابة المائة عام بليبراليته !!

مثل هذه الأجواء هي ما يثير الفوضى ويخنق الأمل فالأخر موجود وإنكاره أو إقصاءه لن يخفيه ولن ينهيه ، ولكن سيزيد الصراع حدة ويبدد الطاقات ويضيع الأهداف.

السبت، 4 يونيو 2011

الرعب الأخضر

طالعتنا عناوين الصحف بهجوم عنيف ترافق مع دخول الصيف لأحد سلالات بكتريا القولون الشهيرة والمعروفة بال Escherichia coli ، والتي أثارت حالة من الرعب في ألمانيا والدول المجــاورة  وتسببت في موت 17 شخص بينما يوجد حوالي 1700 مصاب يعانون من ويلات المرض وأنطلقت حملة من الإتهامات ضد مصدري الخضر في أسبانيا والتي قابلتها حملة دفاعية أسبانية مضادة تنفي أن تكون منتجاتهم هي مصدر العدوى ، ورفعت الأنباء التي وردت من أمريكا عن إصابة حالتين بالمرض من حالة القلق لدى البشر في كافة أقطار الأرض وحتى الأن فقد سجلت 10 دول حدوث اصابات بالمرض لديها ،والسلالة الممرضة والتي تعرف ب 0104:H4 لها قدرة كبيرة على الإلتصاق بجدار الأمعاء وإفراز سمومها مسببة حالة شديدة من الإسهال والقيء وفي الحالات المتأخرة يتطور المرض للمتلازمة المعروفة ب hemolytic uremic syndrome حيث يصاب المريض بالفشل الكلوي و تصاب كرات الدم الحمراء بالتحلل ويصاب المريض بالإسهال الدموي وينتهي الأمر بحدوث سكتة دماغية وغيبوبة.

وبالرغم من أن هذه الحالة لا تظهر ألا في نسبة لا تتعدي ال 10% من حالات الإصابة بالتسمم الغذائي الناتج عن ال E.Coli ألا أن السلالة المنتشرة حاليا تسببت لحوالي 470 مريض من مجموع الإصابات في ظهور أعراض HUS عليهم وهي تعتبر نسبة مرتفعة جدا مقارنة بالنسب المتعارف عليها في السلالات التي تم دراستها سابقا .

وينتقل الميكروب عن طريق تناول الخضر الملوثة  وخاصة التي تأكل نيئة ، وكذلك في اللحوم التي لا يتم طهيها جيدا ، واللبن الغير مبستر ، وكذلك عن طريق شرب المياه الملوثة بالبكتريا "المختلطة بماء الصرف" ويعتبر العاملين في المزارع الحيوانية من أكثر الناس عرضة للعدوى بالمرض. 

ووجد الباحثون أن السلالة المنتشرة حاليا مقاومة للعديد من المضادت الحيوية وحتى المستخدمة ضد البكتريا السالبة الجرام والتي تنتمي اليها بكتريا E.Coli  فيما عدا بعض الأنواع المعروفة ب carbapenem antibiotics  ، كما أنها تصيب الكبار وتصيب النساء بنسبة أكبر على عكس المتعارف عليه بخصوص هذه البكتريا حيث يكون الأطفال هم الأكثر تأثرا بالإصابة .

وحتى يتمكن العلماء من كشف النقاب عن السلالة الجديدة وإيجاد العلاج الأمثل لها والحد من انتشارها ، لا يبقى أمامنا الا الإلتزام بالإجراءات الصحية الوقائية مثل التأكد من نظافة اليدين والأظافر بشكل دائم ، لبس القفازات أثناء اعداد الطعام والتأكد من سلامة الطاهي وخلوه من الأمراض وهي وظيفة وزارات الصحة في الدول المختلفة ، وتجنب الوجبات الجاهزة والمعدٌة خارج المنزل قدر المستطاع ، حفظ الأطعمة في درجة حرارة مناسبة وحمايتها من الملوثات بتغطيتها ، الغسيل الجيد للخضروات ، والطهي الجيد للحوم. وهذه الإجراءات كفيلة بحماية الجسم من العديد من الأمراض والتي قد يحملها إلينا الصيف.

الجمعة، 3 يونيو 2011

في عالم أخر

عجيب هو عالم الإنترنت ، وعجيب ما صنعه فينا وما صنعناه فيه ، يمكنك أن تكون من تشاء وما تشاء على صفحاته ، يمكنه أن يخرج منك أفضل ما فيك ويحقق أحلامك وأمنياتك الضائعة والمؤجلة والمستحيلة ، ويمكنه أن يخرج أسوء ما فيك ويطلق أكثر المشاعر بدائية وعدوانية وكل ما تسعى جاهدا لإخفاءه في واقعك.

يمكنه أن يسمع صوتك للعالم كله و يجمعك بمن يعتنقون نفس أفكارك ولديهم اهتماماتك وأهدافك مهما كانت هذه الأفكار غريبة وشاذة وغير مستساغة لمجتمعك ، فقد أستطاع كل أنسان أن يجد شركاء له يمكنه رفعهم لمرتبة الأصدقاء بعد أن أصبح من الصعوبة بمكان الحصول على أصدقاء حقيقيين بالطريقة التي يحلم بها ويتمناها البشر ، فلا وقت لدينا للقاءات والمجاملات والجلسات ، الإنترنت يعفيك من كل ذلك فلست في حاجة لتوفير وقت أو عمل أستعدادات خاصة للقاء، فيمكنك أن تحدث صديقك الإفتراضي في أي وقت ومن أي مكان وحتى اذا لم يكن متوفر تترك له رسالة وتحصل على الرد عندما يتوفر له الوقت، لا يهم إذا كان عربي أو هندي ، لا يهم اذا كان أبيض أو أسود ، طويل ، قصير ، سمين ، نحيف ، أنت فقط تشاركه أفكارك ، لن تتعرض صداقتكما الإفتراضية لاختبارات صعبة أو مرهقة ، فلا ألتزامات ولا ضغوط ، اذا تعقدت الأمور يمكنك أن تمحو كل شئ بكبسة زر.
يحقق لك الإنترنت الأهداف الثلاثة التي وضعها أرسطو للصداقة: "المنفعة ، اللذة ، الفضيلة" أو يحقق لك أيهم اقرب لنفسك ولإهتماماتك.
فبمعــرفتــك بمن لديهــم نفــس نوعية الدراســة والعمــل يمكنــك أن تحــقق المـنفعة.
وفي وجود كل وسائل الترفيه من موسيقــى وفنون وغيره يمكنك أن تحقق اللذة، بتبادل ما يسعدك مع من يشاركونك في الميول.
ويمكنك تحقيق الفضيلة بالتعاون مع من وهبــوا أنفســهم لها وعملوا على نشرها من منظمات حقوقية ومهتمين بخير البشرية وسلامتها.

أستطاع الإنترنت أن يخلق نوع جديد من العلاقات الإجتماعية، نوع فريد يحوي كل التناقضات ، فأنت وحدك بين أربعة جدران ، ولكنك مع ألاف البشر ، تتحدث وتغني وتضحك وتغضب بالرغم من أنك صامت فكل مشاعرك وانفعالاتك أصبحت افتراضية أيضا.

أستطاع الإنترنت أن يضم في رحابه مشاعر الغضب والكبت والإحباط التي عاناها الشباب العربي لسنوات طويلة ، وفتح لهم الباب على مصرعيه للنقاش وتبادل المعلومات والإختلاف والإتفاق ، وفتح عيونهم على عوالم أخرى حيث للإنسان حقوق وللإنسانية معاني لم نلمسها يوما، في كل لحظة كانت كرة اللهب تكبر وتزداد قوة وعنفوانا حتى لم يعد العالم الإفتراضي بقادر على احتوائها فخرجت للواقع تحرق الظلم والفساد والإستبداد.

قد يراه البعض "وأنا منهم" أروع اختراع عرفته البشرية فالعالم كله تحت أصابعك بتاريخه وأخباره وعلومه وفنونه وكل ما شئت وتمنيت.

وقد يراه البعض الأخر لعنة كبرى اذا ترك نفسه للإنزلاق وراء الشياطين القابعين في جنباته والمتحينين الفرصة لسقوط الضحايا من العابثين والغافلين.

و تبقى العلاقات الإجتماعية على الشبكة العنكبوتية غير كاملة وغير مأمونة وتعاني من الإزدواجية فأنت تعرف أشخاص لا تعرفهم وتصادق أشخاص قد لا يحالفك الحظ بلقائهم يوما.

الاثنين، 30 مايو 2011

فن إخماد الثورات

كانت الصورة المنقولة من ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية والذي أعلن عن أختلافات جوهرية في الرؤى وتضارب في المطالب والأهداف ، وما سبقها من حملات إعلامية من مختلف القوى السياسية المصرية وما تلاها من تقارير متضاربة وآستنتاجات متفاوتة وغير مترابطة نموذج حي على وصول الثورة لمرحلة حرجة وغير مبشرة .
جعلني المشهد أتسائل ما الذي دفع العربة لهذا المنزلق الذي يجعل من الصعب التحكم فيها وفي مصيرها ويدوس على كل القيم والأهــداف التي قامــت الــثورة عليها وبـها ؟
والرد ليس بعسير حيث يمكن للمتابع أن يرى أن ما أوصل الأمور لما هي عليه هو التدافع الغير متعقل على جني ثمار لم تنضج بعد ولم يحن وقت قطافها ، هذا التدافع الذي يحركه وقود الأيديولوجيات المختلفة التي تتحكم في الشارع وفي النخبة السياسية  وحضرني تعريف عالم الإجتماع الشهير البروفيسور كارل منهايم Karl Mannheim للأيديولوجية في كتابه "الأيديولوجية والطوبائية" الذي نشره عام 1936 فيقول بأنها "الأفكار المشوهة التي تطلقها الطبقة الحاكمة لتحافظ على النظام الاجتماعي الحالي أو النظام الاجتماعي السابق أو هي التعبير الفكري لجماعة من الجماعات وهذا التعبير يساعدها على تحقيق أهدافها وطموحاتها" ، ويفسر هذا تسارع كل فريق منهم لإظهار حجم قوته وتأثيره في الشارع وقدرته على الحشد الجماهيري والتي تعني قدرته على التأثير في صنع القرار ، فمنهم من أستخدم قوته سلبا بالتشكيك في نوايا وأنتماءات الفئة التي خرجت للمطالبة باستكمال تنفيذ المطالب الأساسية للثورة وطالب أتباعه ومريديه بعدم الخروج أو الإشتراك بأي صورة من الصور في التظاهرة ، ومنهم من لم يكتفي بذلك وإنما وصل به العناد والتطرف حد الرضا بالأوضاع ورفض إستكمال أعمال التطهير والمحاسبة بحجة أنه يسعى للإستقرار ، حتى أصبح يتحدث بلسان أعضاء الحزب الوطني المنحل ويقبع معهم في نفس الخندق!!
عندما أشتعلت الثورة أذاب لهيبها الفوارق كلها وعندما كانت في عنفوانها وتسير في طريقها الصحيح لم يكن هناك رجل وامرأة ، لم يكن هناك  ليبرالي ، إخواني ، سلفي ، ماركسي  لم يكن هناك نوبي ، بدوي ، قروي ، جنوبي ، أختفت الفوارق تحت مظلة الأهداف الواحدة ، والمطالب المشتركة، عدالة ومساواة ، تطهير ومحاسبة ،  حرية شاملة تطول النقابات والجامعات والمؤسسات الإعلامية ، وتحرير للقضاء من أي ضغوط ، القضاء على البطالة، ورفع المستوى المعيشي ، والقضاء على غول الفساد.
فمن الذي استطاع في غفلة من الزمن احياء الصراع الأيديولوجي وتقويته وجعله سيد الموقف الأن، حتى تناسى الجميع الأهداف الأساسية وتفرغوا لتكفير وتجهيل وإنكار حق الأخر في الوجود؟

الخميس، 26 مايو 2011

هموم نسائية

في آستراحة العمل تجد النساء العاملات الفرصة مُهيٌئة لبث شجونهن ومتاعبهن وما يلاقينه من مشاكل يومية.
تتراوح أعمارهن ما بين العشرين والأربعين وتتفاوت أعمار أطفالهن ما بين رضيع ومراهق ، تختلف ألوانهن وحظوظهن من الجمال والمنصب ، تختلف جنسياتهن العربية ومستوياتهن الإجتماعية والمادية ولكن .. تتشابه شكاواهن وحكاياتهن فما يحملنه من أعباء يؤثر فيهن ويسبب لهن الكثير من القلق والحزن، فبالرغم من مجهودات المنظمات المدافعة عن حقوق  النساء العربيات لسنوات وعقود وبالرغم من التغيرات التي لا يمكن إنكارها والتي طرأت على تفكير المرأة وثقافتها في العصر الحالي وأرتقاء مستواها التعليمي والوظيفي ، إلا أن ذلك لم يصحبه تغير إيجابي حقيقي في شخصية الرجل العربي وموروثاته والحقوق التي يدٌعيها ويقرٌه عليها المجتمع من حوله ، والنتيجة أن تضاعفت مسؤوليات المرأة مقابل حصول الرجل على حريات أكبر ومسؤوليات أقل ، وأصابته درجة من الإزدواجية في تصرفاته ومفاهيمه تحتاج لدراسة وعلاج، فبينما هو لا يجد أي غضاضة في تقبل ما تنفقه زوجته على المنزل بل يجد أن ذلك شئ طبيعي وأنها تعمل ومن واجبها أن تنفق من دخلها حتى لو كان دخله غير كافي لإحتياجات المنزل والأسرة وكان عملها هذا ضروري لإستمرار الحياة وليس مجرد شغلا لوقت فراغها، تجده يشعر بالضيق الشديد في حالة تعرض لموقف يتضح فيه للأخرين أن الزوجة تتحمل العبئ المادي الأكبر وتجده يتعالى على المهام والأعمال المنزلية ويعتبرها تنتقص من رجولته ، وقد يرفض الكثير منهم المساعدة في رعاية الأبناء بحجة أن هذه أعمال نسائية بحتة لا يجب أن يتورط هو فيها.
باختصار تنازل أدم عن مسؤولياته ولم يتنازل عن حقوقه ، وتقبلت حواء المزيد من المسؤوليات ودفعت الثمن من راحتها وأعصابها وحياتها ، وبينما ترتفع طموحاتها وتزداد تطلعاتها لحياة أفضل لها ولأبنائها تزداد لامبالاته وتقتصر أحلامه على الحصول على أكبر درجات الراحة والرفاهية الشخصية ، فهو يريدها عاملة صباحا تتحمل الأعباء المادية ، وربة منزل في المساء تقوم برعاية المنزل والأطفال وحبيبة ليلا لتدليله وتنفيذ رغباته ، ودون أن تحصل هي على أدني تقدير أو تفهٌم لإحتياجتها أو الشعور بما تتحمله وتكنه من أحاسيس تؤرٌقها وترهقها.
ولأن عملي يفرض على متابعة أزواج من كافة الجنسيات ، أجد نفسي لا أستطيع تجنب عقد مقارنة ما بين الزوج الغربي والزوج الشرقي في تعاطفه مع زوجته ورعايته لها ، فبينما يشد الغربي على يد زوجته ولا يفارقها في كافة مراحل الحمل ويصر على التواجد إلى جوارها وقت الوضع ، تجد الشرقي لا يهتم إلا بنوع المولود وحساب المستشفى ، ولا أنسي سيدة كانت بحاجة للدماء وطلبت من زوجها التبرع لها فتعلل بأنه سيذهب للعمل لأخذ الإذن بالتواجد الى جوار زوجته ، بينما هي أمسكت يدي وهمست لي .."لن يأتي لا تتعبي نفسك" ولم يخيب هو ظنها فلم نراه مرة أخرى وحتى خروجها سالمة من المستشفى!
فهل يمكن أن يتخلص الشرقي من أنانيته ويتحمل مسؤولياته قبل أن يطفح الكيل بحواء؟

الأحد، 22 مايو 2011

إعلامنا الذي لم تصله الثورة

تحول الإعلام في عصر تكنولوجيا المعلومات لقوة دولية مؤثرة على كافة الأصعدة وفي كافة المجالات ، ولم يعد الأمر قاصر على نقل الأخبار أو الأحداث اليومية التي يتعرض لها البشر حول العالم ، ولكن أستطاعت المؤسسات الإعلامية أن توجه الأنظار وتقدم توعية حقيقية شاملة بالكثير من المخاطر وتعرض أثار ذلك على المشاهد العادي وتقرب له المسافات بحيث يستطيع إنسان عادي معرفة حجم المخاطر التي يسببها الإحترار العالمي ويرى بعينيه ذوبان الجليد في الأقطاب وتأثير أرتفاع درجة الحرارة على الكائنات الحية وكيف أن ذلك أصبح يهدد العديد من الكائنات في بيئتها ويعرضها لمخاطر الإنقراض.
ويشكل ذلك نوعا من الضغط و التنبيه لمن بيدهم صنع القرار لفرض قوانين تحد من التلوث وتمويل الأبحاث التي تدرس وجود مصادر بديلة للطاقة ووسائل للتعامل مع النفايات والإنبعاثات لا تضر بالبيئة.
أو يقوم بتوضيح حجم الكارثة التي تعرض لها الناس في منطقة من الأرض ككارثة تسونامي التي أصابت اليابان أو إندونيسيا سابقا ، يجعلك الإعلام تعيش مع الناس المأساة لحظة بلحظة ، فيفتح ذلك المجال للعمل الإنساني والتطوعي للقيام بدوره وتدفع الكثير من الناس للمشاركة أو إقتراح حلول تخفف من المأساة أو تقديم تبرعات ومعونات ترفع المعاناة عن المنكوبين.
ويستطيع الإعلام إيصال أصوات المقهورين والذين نالهم القمع أو تضرروا من الصراعات الطائفية والعرقية المسلحة فتشكل أصواتهم قوة ضاغطة على المجتمع الدولي لإتخاذ قرارات وإجراءات تساهم في وضع حد لتلك الصراعات وإرسال المساعدات وأعمال الإغاثة اللازمة للإبقاء على حياتهم.
وتساهم وكالات الفضاء ومراكز البحوث العلمية بشكل كبير في إعطاء صور وبيانات هامة تمكن المشتغلين في اعمال الإغاثة الإنسانية من القيام بدورهم بدرجة أكثر كفاءة ، فبإمكانهم إعطاء بيانات عن الأماكن المتضررة بدقة وحجم الضرر المحتمل وأعداد البشر المتضررين.
وفوق ذلك يستطيع الإعلام أن يكون شاهد يوثق لجرائم الإبادة الجماعية ويسمح للناجين بمقاضاة مرتكبي الجرائم دوليا وإدانتهم كما حدث في كوسوفو حيث أمكن تصوير وإثبات وجود مقابر جماعية أدت لمحاكمة سفاح الصرب سلوبودان ميلوسوفيتش أمام محكمة لاهاي الدولية في اتهامات بجرائم ابادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية والذي راح ضحيته قرابة 300 ألف قتيل وتم تهجير قرابة 750 ألف شخص وأستمرت محاكمته قرابة أربعة سنوات حتى لقى حتفه في محبسه.
وأستطاع الإعلام الغربي متابعة ومواكبة أحداث وتطورات الثورات والإنتفاضات في البلدان العربية بينما غاب تماما ما يطلق عليه الإعلام العربي باستثناء قناة الجزيرة وبعض المواقع الإلكترونية الهامة عن تغطية الأحداث، وأنكشف عار إعلامنا العربي وعواره بدرجة مهينة ومخزية فلم تتوقف صحفنا وقنواتنا الفضائية المتعددة ، الحكومية والحكومية المستترة عن بث الأكاذيب وتشويه الحقائق وتضليل المشاهدين بروايات وصور لا تمت للحقيقة بصلة ، فبالرغم من حجم الإنفاق الذي كان ولا يزال ينفق عليه وبالرغم مما تتكبده ميزانية الدولة من أجل تحقيق الإستمرارية له فقد حولته التبعية المطلقة للسلطة وتفشي الفساد في منظومته الى كيان هش غير ذات مصداقية ، وأصبحت مهمته التضليل والتجهيل عوضا عن المهام الأصلية للإعلام والتي تتمثل في التوعية والتنوير.
قد يدعي البعض أن هناك تغيير طرأ على الإسلوب الذي أصبح الإعلام يتناول به القضايا العامة والحيوية بعد الثورة ، ولكن لا يرقى هذا التغيير لأن يجعل منه إعلام ذات مصداقية ، فمازال يسير في الخطوط المرسومة له دون أن يجرؤ على الخروج عنها ومازال يمارس أساليب التضليل والتغييب ومازالت الطواقم العاملة به هي طواقم كانت معايير توظيفها للعمل هي الوساطات والمحسوبيات وليست الكفاءات.
أعتقد أن إعلام الدولة يمكن اعتباره مؤشر جيد على حالتها فهومقياس لمستوى الشفافية والحريات السياسية والثقافة الإجتماعية التي تتمتع بها الدولة حكومة وشعباً، فعندما يكون لدينا إعلام قوي ومهني ومؤثر يملك القدرة على مناقشة كافة القضايا الهامة بلا خوف ولا تدليس سأعرف أن الثورة حققت أهدافها.

الثلاثاء، 17 مايو 2011

الجريمة والعقاب

العقاب أحد البديهيات التي تستقيم بها الحياة فوجوده يعطي الأمل لمن تم الإعتداء عليه أو أنتهكت حقوقه بأنه سيرى يوما ما من أذاه يذوق الألم ويعرف معنى العذاب ، وهو رادع لمن تسول له نفسه التعدي على حقوق الأخرين ونيل ما ليس له فيه حق ، ولم تخلو الروايات والمثيولوجيا قديما وحديثا من ذكر للخطايا التي يصنعها البشر وكيف أن المخطئ يلاقي عقوبته الربانية في النهاية، فلابد للمخطئ من عقاب ولابد للطيبين من مكافئة فهذا يشعر السامعين والقارئين بحالة من الرضا والراحة ، وان كانت الحياة لا تسير دوما على نفس المنوال فقد يعيش الإنسان ويموت مسلوب الحق مهدر الحقوق وينال الظالمون كل أسباب العزة والرفعة والرفاهية.
عندما تختل موازين العدالة ويسمح النظام القائم للجاني أن يفر بلا عقوبة تبدأ أركان الدولة في الإنهيار وينتشر الفساد وتسود الفوضى فمن تعرض للظلم قد يفعل أي شئ مقابل نيل ما يعتقد أنه حقه وقد يستخدم في ذلك وسائل غير مشروعة فيصبح جاني ومجني عليه في أن واحد ، أو قد يجعله الظلم يكفر بالقيم وينجرف في تيار الفساد ، إذا أردت لدولة أن تنهار فابدأ بالعبث بمنظومة العدالة ، حيث تطول اجراءات التقاضي وتتدخل السلطة والرشوة والمصالح في سير العملية وحتى إذا نال المظلوم حكم نهائي بعد سنوات من العذاب لا يجد من ينفذ له الحكم فيصبح ما ناله لا يتعدى كونه حبر على ورق.
هذه الإجراءات العبثية هي تحديدا ما جعل الفساد ينتشر ويتسرب لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة وحتى أصاب الحياة الإجتماعية بخلل شديد من الصعب علاجه ، وليس بخفي على الجميع أن الفساد كان من أهم أسباب قيام الثورة ، وأجتثاثه ومحاسبة المسؤولين عنه مطلب من أهم مطالب الثورة اذا لم يتم بشكل سريع وعادل ومُرضي بلا التفاف ولا مجاملات فإن ذلك سيفتح الجروح التي لم تندمل ويهيج نفوس شعب عاني من ويلات الظلم والقهر لعقود.
وإذا كان العقاب هام وضروري في الجرائم الفردية والتي تعرض فيها أشخاص محدودون للظلم فإن العقوبة تبدو حتمية لاجدال فيها عندما يكون الضحية شعب كامل أنتُهكت أرضه وحضارته وثرواته وحياته ومستقبله وصحته وكرامته وحتى أن حياته لم تحظى بالقدسية التي أحاطها الخالق بالحياة لكل مخلوقاته.
خسائرنا لم تكن أموال ضاعت أو سرقت ، خسائرنا أكبر وأعمق ، ولا يوجد في قانون العقوبات عقوبة تكفر عن الجرائم التي أرتكبها النظام السابق في حق مصر وشعبها فهناك أشياء كما قال شاعرنا الرائع أمل دنقل .. لا تشترى .
لا تصالح!
.. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى؟..
هي أشياء لا تشترى..

الجمعة، 13 مايو 2011

الإنكار

عندما يواجه الإنسان بشئ يفوق إحتماله كموت عزيز أو معرفته بإصابته بمرض خطير أو مرض إنسان أخر يهتم بأمره كثيرا يلجأ في كثير من الأحيان لتقنية دفاعية تعمل كحاجز بينه وبين ما لا يستطيع مواجهته  هذه التقنية الدفاعية تعرف بالإنكار، ولأن الكثير من البشر يلجأون لهذه التقنية الدفاعية في مرحلة ما في حياتهم فقد أصبح من المنطقي أن نأخذها في الحسبان عند التعامل مع الناس في المواقف الحرجة وحتى أنها أصبحت أحد الخطوات التي يجب على الطبيب العمل عليها عند تعامله مع المرضى ، فعندما تضطر لتبليغ زوجين دخلا مرحلة الأبوة منذ زمن قصير وجائهم ضيف صغير أنتظراه بشوق وأمل فترة الحمل وأستعدا لولادته وتمت عملية الولادة بنجاح ، عندما تخبرهما بأن الطفل يعاني من مرض أو عيب وراثي سيؤثر على حياته ، يجب أن يكون لديك الإستعداد لتقبل إنكارهما لهذا ورفضهما لتشخيصك ولجوئهما لأخرين ليؤكدوا لهم التشخيص ، فليس من السهل تقبل أن يأتي الحلم منقوص أو مشوه وليس من السهل على البشر مواجهة الفقد وأنتظار الألم والمعاناة القادمة .
إذا فالإنكار أحد ردود الفعل البشرية المعروفة والتي قد تظهر كرد فعل فردي على مشكلة شخصية أو حتى رد فعل جماعي في حالة وقوع مجتمع بالكامل تحت ضغوط وتضليله إعلاميا لسنوات طويلة حتي أنك تذهل عندما تقودك الظروف للحوار مع أحد المنكرين والذي قد يعميه الإنكار عن كوارث تحيط به من كل جانب يرفض التعامل معها ومواجهتها حتى تستفحل وتنفجر أمامه وربما يسوقه هذا لإستخدام التبرير كسلاح دفاعي أخر يغطي به قصوره وما أكثر أسلحة النفس الدفاعية المضللة.
وليس أبلغ من العبارة الإنجليزية القديمة لوصف حالة الإنكار والتي تقول:
Denial is more than just a river in Egypt
والتي طالما أثبتت صدقها على أرض الواقع في السنوات الماضية ، وجعلتني أتسائل بعد قيام الثورة هل الناس أتفقوا على التوقف عن تجرع ماء هذا النهر المضلل يوم 25 يناير؟ أو هل جفت مياهه فجأة ؟ حتى تبين لي أن هذا النهر الملعون تمتد روافده في جنبات الوطن العربي وما فعله أنه أتخذ من الأراضي السورية موطنا جديدا ، فحالة النكران التي آنتابت رموز النظام السوري ومؤيديه تفوق الوصف وتتحدى العقل والمنطق ، فهم ولسنوات طويلة يعيشون في وطن أشبه بكهف أفلاطونى تمتنع عنهم فيه وسائل الإتصال بالعالم الخارجي وكأننا مازلنا في عصور الستينات حيث لا يسمع الناس غير صوت النظام ولا يروا إلا ما يراه النظام فإذا قال لهم نظامهم أن الديمقراطية كفر فهي كفر وإذا قال لهم أنه وحده الممانع الصامد الذي يحمي الديار فهو كذلك ، وإذا قال لهم أن ألاف المواطنين الذين يتم تعذيبهم والتنكيل بهم وحتى إبادتهم هم إرهابيين وعملاء ومأجورين ومغرر بهم ، تجدهم يؤمنون على ذلك ويطالبونه بإبادتهم غير مأسوف عليهم ، ومهما حاولت أن تسمعهم أصوات العالم من حولهم لا يستمعون ولو أستمعوا لا يصدقون ، هل العالم كله كاذب وإعلامكم وحده الصادق؟ إذا كان نظامكم صادق فلماذا أغلق الأبواب وحاصر المدن ومنع كل الحقوقيين والمنظمات الدولية والإعلاميين من النقل والمتابعة؟  لماذا يداعب الغرب كما فعلت وتفعل النظم الديكتاتورية المماثلة بالتلويح بسيف الإسلاميين وبكونهم البديل الوحيد عنهم والذي يحفظ للكيان الصهيوني أستقراره وأمنه! بل وكيف يتفق تصريح رامي مخلوف مع الإدعاء بالممانعة ودعم المقاومة!
  بل كيف يمكن أن يدعي أحد أنه أختار بمحض إرادته نظام ديكتاتوري يستأثر فيه الحزب الواحد بالوطن ومن فيه ويقوم بتوريث الحكم رغما عن أنف الدستور والقانون ونظام الدولة الجمهوري؟
في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة وسنرى هل سيستطيع من خرجوا من الكهف وطالبوا بالحرية أن ينقلوا للأخرين ما رأوه تحت ضوء الشمس أم سيكتب عليهم أن يختنقوا بأحلامهم ويقبعوا مع القابعين في الكهف.

الاثنين، 9 مايو 2011

نحو أنتخابات نزيهة

تشكل نزاهة الإنتخابات هاجس للسياسيين والناخبين الواعين على حد سواء فهي خطوة من أهم الخطوات نحو إقامة حياة ديمقراطية سليمة تقوم على العدالة والمساواة وإحترام حق الفرد في اختيار من يمثله ، ولا يخفى على أحد الأساليب البدائية التي يتم استخدامها في الدول العربية والتي يمكن وبسهولة شديدة التحايل عليها وتغليب أفراد بعينهم على عكس إرادة الناخبين وضد الإرادة الشعبية ،  حتى أن نسبة كبيرة جدا من الجماهير كانت قد أحجمت بالكامل عن المشاركة الإنتخابية وأثرت الإحتفاظ بصوتها لنفسها في ما يمكن أن ندعوه تصويت سلبي بعدم الثقة في الحكومة والنظام القائم برمته. وليس من الغريب أن يكون إهتمام الإنسان بالإقتراع قديم قدم التاريخ ذاته فقد سجلت أثينا مهد الدولة المدنية  أول التجارب الديمقراطية وعرفت أهمية التصويت ورأي الأغلبية في صناعة القرار وأستخدموا أحجار بيضاء للتصويت ب "نعم" وأحجار سوداء للتصويت ب "لا" بينما سجلت الحضارة الفرعونية تجارب بدائية للتصويت باستخدام قطع الفخار عليها علامات تدعى "أوستراكا".
وتمر السنون وتغزو التكنولوجيا الحديثة معظم الأنشطة البشرية تقريبا وليس بغريب أن يطال التطوير أساليب التصويت وتقتحم التكنولوجيا العملية الإنتخابية خاصة في الدول التي تعرف قدر الصوت وتهتم بإبراز رأي الأغلبية وإحترام الإرادة الشعبية وحق الشارع في المشاركة في صنع القرار.
أول براءة إختراع تم تسجيلها بخصوص أجهزة الإقتراع كانت للعبقري إديسون قبل 142 عام في 1869 ميلادية، ولكن لم يلتفت أحد لذلك ولم تتطور الأجهزة فعليا إلا في سبعينيات القرن الماضي.  وهناك تجارب متميزة رائدة أستحقت أن تشكل مثل يحتذى به من قبل الديمقراطيات الناشئة . فالبرازيل على سبيل المثال بدأت آستخدام التقنية منذ التسعينيات وقامت بتجربة العديد من الأنظمة حتى أستقرت أخيرا على آستخدام نوعية محددة من الأجهزة منذ عام 2000 وأستطاع النظام المستخدم التعامل بكفاءة عالية مع عدد الناخبين البالغ 106 مليون ناخب.
وفي أمريكا تم أستخدام العديد من التقنيات في العديد من الولايات وتم دراسة عيوب ومميزات الأجهزة المستخدمة باستفاضة شديدة فقد تم أستخدام الأجهزة الحساسة للعلامات والتي تعتمد على مسح ورقة التصويت ألياً لبيان مكان العلامة في الأشكال الدائرية أو البيضاوية التي تمثل الإختيارات المتاحة، كما تم آستخدام الألات ذات الزراع وبطاقات التثقيب وصولا للأجهزة الأحدث والأدق حى الأن والمعروفة بالأجهزة ذات التسجيل المباشر direct record electronic - DRE  ولم تخلو هذه الألات الحديثة أيضا من العيوب الصناعية والتقنية بالرغم من محاولة الولايات المختلفة وضع قواعد ومواصفات عامة لها لتنفيذها من قبل الشركات المنتجة لها .
ونأتي للتجربة الهندية وهي تجربة أيضا لا يمكن إغفالها فليس من السهل التعامل مع أصوات بعدد الناخبين في الهند . فقد أنتجت الهند جهاز إلكتروني للتصويت   Electronic Voting Machine  وتم أعتماده وأستخدامه في الإنتخابات الهندية منذ عام 1989 - 1990 يستوعب الجهاز الواحد قرابة ال 3840 صوت وهي رخيصة الثمن ويمكنها العمل على بطاريات الشحن لإستخدامها في المناطق النائية بكفاءة ويمكن لهذه الأجهزة الإحتفاظ بنتائج الإنتخابات لمدة تصل لعشرة سنوات.
وبالرغم من أن الأجهزة الحديثة تقلل كثيرا من إحتمالية الخطأ والتلاعب ، إلا أنها لا تستطيع إلغاء ذلك بالكلية فمازال هناك العديد من المشكلات التي قد تواجه المستخدمين منها المستوى الثقافي والتعليمي والذي قد يقف حجر عثرة أمام نسبة كبيرة من المصوتين في البلدان النامية مما يستوجب معه وضع أنظمة سهلة الإستخدام وواضحة للجميع وكذلك ضرورة تدريب المشرفين على العملية الإنتخابية على هذه الأجهزة ليمكنهم إدارة الإنتخابات بكفاءة وعمل رقابة صارمة على جميع خطوات الإقتراع لتأمينها من عمليات الإحتيال ، والأهم أن يتمتع الناخبين بدرجة من الوعي والثقافة لمعرفة أن صوتهم يساوي مستقبلهم ومستقبل أبنائهم لذلك هو لا يقدر بثمن. أتمنى أن تدخل بلادنا عصر التصويت الإلكتروني وعصر الديمقراطية الفعلية بعد ما عانيناه من ويلات في عصور الإستبداد.

الخميس، 5 مايو 2011

السباق الأخير

سنوات طويلة هي سنوات الصراع الأفريقي، وملايين هم من قضوا نحبهم أو تم تشريدهم كنتيجة حتمية لهذا الصراع الدموي ، وكأن القارة السوداء وسكانها على موعد مع الشقاء والتعاسة فلا يكفي ما يعانونه من فقر وجدب وسنوات جفاف حتى أشتعلت العديد من الصراعات في جنبات القارة بداية بجروح السودان النازفة في الجنوب وفي دارفور والتي لم ولن يحلها الإنفصال بشكل جذري وإنما قد يفاقم الحالة ويزيدها سوء بوجود طرفين على أهبة الإستعداد دائما لإشعال حرب جديدة، والصراعات الأثيوبية - الإريترية والصراعات بين بوروندي وأنجولا  والصراعات بين ليبيريا والصومال والمذابح الرواندية البشعة التي صنعها الخلاف الإثني بين قبيلتي الهوتو والتوتسي ، والصراعات النيجيرية ، تحير الباحثين عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الصراعات التي لا تنتهي ولا تهدأ فالبعض يعزي ذلك للإثنيات المتعددة التي ينحدر منها القبائل والعائلات في أفريقيا والبعض يعزوها للصراعات الطائفية والدينية والبعض يرجع ذلك للفقر ونقص الموارد والذي جعل الكثير من الصراعات تقوم على محاولة السيطرة على المناطق والأقاليم الغنية والتي تتمتع بوجود ثروات طبيعية من المواد الخام أو الثروات الحيوانية أو الأراضي الخصبة والموارد المائية. لا ينكر أحد أن العوامل الإقتصادية والفقر قد تكون أهم عوامل الصراع فهي صراع على البقاء وهذا النوع من الصراعات هو الأكثر دموية على الإطلاق، فهل القارة الأفريقية هي بالفعل فقيرة في الموارد لدرجة أن يموت فيها البشر جوعا وفقرا ومرضا ؟
أفريقيا تنتج 78% من المنتج العالمي من الألماس وتملك حوالي 27% من الإحتياطي العالمي من الحديد 72.5 % من إنتاج الذهب العالمي، تضم دول من أكثر الدول إنتاجا للبترول في العالم منها نيجيريا وليبيا والجابون والجزائر والصومال، أفريقيا غنية باليورانيوم والنحاس والقصدير والبلاتين، أفريقيا لديها ثروة من الأحجار الكريمة الأروع والأكثر تفردا على وجه الأرض من عقيق وزبرجد وفيروز ، في أفريقيا تتمتع دولة مثل السودان بمساحات شاسعة من الأراضي الخصبة ولديها ثروة حيوانية تحتاج للرعاية والتنمية ، أفريقيا لديها مساحات فريدة من الغابات الإستوائية وهناك العديد من الثروات الظاهرة والمخفية تجعل من غير المنطقي وصول القارة الأفريقية لهذه الحالة المأساوية من الفقر والجهل والمرض والصراعات التي تصل حد الإبادة الجماعية ، ولكن إذا نظرنا للحكومات المهيمنة على الدول الأفريقية وحجم ما أستشرى فيها من فساد ، وإذا بحثنا عن المستفيد الحقيقي من الثروات والخامات الأفريقية والذي يستنفد ثرواتهم مقابل توريد أسلحته لهم والتي يفنون بها بعضهم البعض سيصبح كل شئ فجأه مفهوم ومنطقي بل أن الأمر يصبح  نموذج عن مدى الإنهيار الذي قد تصل إليه دول الشرق الأوسط إذا سارت على نفس النهج - وهي وحتى الأن تسير بالفعل - فنفس الوسائل التي أتبعها الإستعمار الغربي في أفريقيا تستخدم في دول الشرق الأوسط . فساد حكومات ونهب منظم يؤدي بالضرورة لتفشي البطالة وأنتشار الفقر ومع تأجيج الصراعات الطائفية والعرقية تتحول المطالب المشروعة في الحياة والوجود لحرب تهدف لإبادة الأخر وإخراجه من حيز الوجود بينما يستمر نزيف الثروات الطبيعية في الخروج لخدمة السيد الغربي ويستمر أصحاب الثروات في الإعتماد على ما ينتجه هذا السيد ويجود به من حين لأخر نظير الولاء والتبعيه، بل أنه كتب على هذه البلاد المبتلاه أن تعاني أيضا من نتاج التلوث الناتج عن الصناعات الثقيلة التي تساهم في تقوية شوكة الغرب وتزيد في عزتهم وهيمنتهم فهذا التلوث والذي ساهم كثيرا في الإحترار العالمي سيؤثر بشكل كبير على ملايين البشر وخاصة الذين يعيشون على السواحل وهم يمثلون نسبة كبيرة من البشر تقدر بحوالي 10% من إجمالي سكان الكوكب فمستوى سطح البحر في إرتفاع مستمر والأعاصير المدارية إزدادت قوة والتربة تفقد رطوبتها بفعل الحرارة والجليد يذوب في الأقطاب والتقديرات الحالية تؤكد أن الكثير من المناطق الأفريقية تعاني من الجفاف مما يضطر الكثير من السكان للنزوح لمناطق أخرى فيصبح هؤلاء في حالة فرار دائم من عدو قد يكون الجفاف وقد يكون الصراعات المسلحة .
وكأن هؤلاء تم تغييبهم ودفعهم إلى سباق نحو الفناء ، متى يستفيق هؤلاء المغيبون ويدركون أن الحل السحري هو في شيئين "محاربة الفساد" و "التنمية" فالموارد تكفي الجميع ولكن أن نعرف كيف نديرها هذا هو الذي سيحدد مصيرنا على هذا الكوكب الذي لاقى أهوال في مئة عام أكثر مما لاقى في تاريخه الحافل الموغل في القدم.

الجمعة، 29 أبريل 2011

الرئيس المزمن

عندما يصاب الجسد بأحد الأمراض المزمنة ، تتغير الكثير من الأشياء فهي أمراض تتسلل للجسد تضعفه وتنهكه وتعوق الإنسان عن ممارسة حياته بالشكل المعتاد ويصبح المريض مضطرا للتوائم مع المرض ومتابعة تطوره وتقدمه ، ومعظم الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط وأمراض القلب كلما طال بها الزمن كلما تأثرت بها أعضاء الجسم المختلفه وتطورت حالة المرض وحتى تؤدي في النهاية مع المضاعفات العديدة للموت. وتقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الوفيات بتأثير الأمراض المزمنة بحوالي 60% من النسبة الكلية للوفيات سنويا.
فبكم يا ترى تقدر نسبة القتلى والجرحى من ضحايا الرؤساء المزمنين والذين أبتليت بهم بلادنا العربية وأصبحوا تماما كما المرض المزمن يصيبون الدولة بالضعف والوهن ويبسطون ظلالهم على حياة البسطاء والكادحين فيزيدونها رهقا وألما ويصعبون عليهم حياتهم؟ فكما تسوء حالة المريض بطول بقاء المرض المزمن ويستحيل علاج تأثيراته المرضية كلما تقدم به الزمن فكذلك يكون الحاكم المزمن كلما طال بقاءه زادت حالة البلاد سوءً وأصبح من الصعب التخلص منه ومن تأثيراته المميته على البلاد والعباد ، فزين العابدين بن علي والذي أصاب تونس لثلاثة وعشرين عاما راح ضحيته 219 شخص هم شهداء ثورة الياسمين - والعهده على مجلس حقوق الإنسان - لا يشمل ذلك ضحاياه في المنفى وفي المعتقلات وغير ذلك ممن سحقت أحلامهم وتضررت حياتهم بسبب الفساد الذي أستشرى وكما هو الحال مع  البو عزيزي والذي أطلق إنتحاره حرقا شرارة الثورة . وكان رحيل بن علي التاريخي الغير مسبوق في 14 يناير من العام الجاري.
تلاه رئيس مزمن أطول عمرا وأكثر مكوثا في كرسي الرئاسة وتأثيره المرضي أصاب اعضاء ومفاصل الدولة في مقتل فأنتشر الفساد بشكل غير مسبوق وضعفت مناعة الدولة فأنتشر في جسدها الطفيليات التي أمتصت خيراتها ولم يبقى لأبنائها إلا الثورة فخرجوا غير عابئين بالموت وبأجهزته القمعية التي طالما سامتهم سوء العذاب وكان وجه الثورة فيها هو خالد سعيد أحد ضحايا التعذيب والذي لم يكن عليه حساب أو رقابه في ظل قانون الطوارئ . تمكنت الثورة المصرية المجيدة من خلع الرئيس المزمن حسني مبارك والذي بقى في كرسي الحكم لثلاثين عاما وأوشك أن يورث الجسد المريض لإبنه لولا أن تداركت عناية الله أهل مصر، وقدرت أعداد شهداء الثورة في مصر وحسب تقرير إتحاد الأطباء العرب قرابة الألف شهيد وقرابة الستة ألاف جريح بالطبع لم يكونوا وحدهم ضحايا الرئيس المزمن فقد سبقهم ألاف مؤلفه من ضحايا الفساد والإفقار المتعمد في العبارات والقطارات وقوارب الموت وحوادث الطرق وضحايا المسرطنات وسوء التغذية ونقص الرعاية الصحية ... وجرائم لا تعد ولا تحصى في حق مصر وشعبها حتى تمكن الشعب من خلعه أخيرا في 11 فبراير من العام الجاري ومازالت مصر في دور النقاهة والذي يحتاج الكثير من الإنتباه والرعاية والإهتمام.
ثم يأتي دور رئيس أخر أصاب بلاده لثلاثة وثلاثين عاما جعلها نموذج للفقر والمعاناة وأستخدم مع شعبه كل وسائل المماطلة ولعب بكل الأوراق محاولا إطالة فترة بقاءه ومكوثه على كرسي الحكم ولم يمانع في قتل وإصابة أعداد كبيرة وحتى ضرب المتظاهرين بكل الأسلحة القمعية المعروفة والمجهولة ، المسموحة والممنوعة ، وهو لا يمانع في إثارة حرب أهلية أو تقسيم بلاده فما يهم هو فقط بقاءه وحماية مصالح أبناءه وأتباعه، ومازال الشعب اليمني يحاول أن يعالج مرضه المزمن ويصرخ كل ساعة وكل يوم "إرحل يا علي" عسى أن يستجيب قريبا ويفهم ويترك اليمن يلملم جراحه ويعوض ما فاته.
وأخيرا نصل للمرض في مراحله المتقدمه المستعصية على العلاج والذي أستمر بقاءه لأكثر من أربعين عاما حيث يكون قد توغل وتمكن من جسد الدولة بدرجه تجعله يصر على البقاء وحتى هلاك هذا الجسد الذي تسبب هو في إمراضه ، هو على أستعداد لإستخدام أقصى درجات القوة وحتى الإبادة الجماعية دون أن يهتز له جفن، أصبحت الصورة دموية بشكل غير معقول وغير إنساني في ليبيا والتي أصابها الرئيس المزمن من أكثر من إثنين وأربعين سنة ولم يقبل أن يطالب الشعب وبعد كل هذه السنوات بحريته وحقوقه فلم يتورع عن قصف المدن والمدنيين ليلا ونهارا بالأسلحة الثقيلة ، وأصاب بلاده بالدمار الشامل ومازال مصرا على البقاء وحتى أخر ليبي ، والصورة لا تختلف كثيرا في سوريا والتي أنتقل فيها الحكم وراثيا ليبقى أصحاب المصالح في كراسيهم وليتم قهر وقمع كل من تسول له نفسه لرفع رأسه أو المطالبه بحقوقه الأدمية فالمرض ليس فقط مزمن ولكنه مزمن وراثي.
لم يبقى إلا أن نتمنى لبلادنا التي مازالت تعاني من مرض الرئيس المزمن بالشفاء العاجل دون إراقة المزيد من الدماء.

الأربعاء، 27 أبريل 2011

ألحان ثورية

لطالما تعجبت من عشق أصدقائي أصحاب الروح الثورية لأغنيات الشيخ إمام، وبائت محاولاتي في أستساغة نغمات أغنياته القديمة بالفشل فقد أعتادت أذاننا نوعيات أخرى من الموسيقى ذات إيقاعات تتميز بسرعات أكبر ونغمات أعلى من أغنيات ذلك العصر وغزت التكنولوجيا الحديثة في مجال الصوتيات والإلكترونيات أغلب ما نسمعه من مقطوعات وأغنيات، ثم قامت الثورات وكأنها قامت على كل ما هو مصطنع ومفتعل وكل ما هو ليس خارج من تراب الوطن، وأنبعثت معها أغاني إمام الثورية وفجأة أصبحت بالنسبة لي منطقية ومستساغة فهي أصيلة ومن صميم الروح المصرية وتعرف كيف تثير الحماس في النفوس وتحركها  

 يا مصر قومي وشدي الحيل  ::  كل اللي تتمــــــنيه عنـــدي
لا القهر يطويني ولا الليـــــل :: آمان آمان آمان بيرم أفندي
  رافعــين جباه حرة شريفــــة ::  باسطين أيادي تأدي الفرض
 ناقصـــين مــؤذن وخليفـــة  :: ونور ما بين السما والأرض
      يا مصر عودي زي زمــــان ::  ندهة من الجامعة وحلوان      
يا مصـــر عــودي زي زمان :: تعصــــي العــدو وتعــاندي

عاد الشباب يبحث عن الكلمة التي تعبر عنه، عن شعراء تغنوا بحب مصر وصاغوا مشاعره نحو الوطن في كلمات خالدة بليغة فها هي أم كلثوم تشدو برائعة إبراهيم ناجي
 
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
حلفنا نولي وجهنا شطر حبها
و نبذل فيه الصبر و الجهد و العمرا
سلاماً شباب النيل في كل موقف
على الدهر يجني المجد للنيل و الفخرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة
فلا كان منا غافل يصم العصرا
تعالوا نقل للصعب أهلاً فإننا
شباب ألفنا الصعب و المطلب الوعرا
شباب إذا نامت عيون فإننا
بكرنا بكور الطير نستقبل الفجرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا
و من يغتدي للنصر ينتزع النصرا
 
عندما عادت أغاني العزة والمجد تصدح بما في نفوس الثوار جعلتنا نتسائل كيف حرمنا حتى من أغنيات في حب الوطن تهز القلوب وتدغدغ المشاعر وتحول الشعراء والملحنين في عصور القهر والإستبداد لمتسلقين في منظومة النفاق التي تتغنى بمناقب الرئيس الملهم الذي أختصر الوطن في ذاته.
كيف يتأثر الإنسان بالموسيقى ؟ ما هو سرها الذي يجعل حتى الطفل في رحم أمه يتأثر بها ، كيف يمكن لنوتات صغيرة أن تبهجنا وتبكينا أو تشعرنا بالحماسة والفخر أو الحزن والألم؟ ولماذا تركت الحضارات القديمة والموغلة في القدم ألات موسيقية ورسومات جدارية تمثل العزف وطرب المستمعين وتمايلهم مع النغمات ؟
كيف أستطاعت الموسيقى أن تؤثر في الجموع وتوطد العلاقات الإجتماعية حيث يجتمع الأصدقاء حولها في جلسات السمر والسهر؟
حيرت الموسيقى وتأثيرها الساحر الباحثين والعلماء فبدراسة تأثيرها على المخ لم يستطيعوا تحديد مواقع خاصة في المخ تثار أو تنشط بصفة خاصة عند سماع الموسيقى فالعديد من مناطق المخ تنشط في وقت واحد عند الإستماع للموسيقى وإن كان من الملاحظ أن هناك تغير في المناطق التي تتفاعل معها كلما زادت خبرة ودراسة المستمع  وبالرغم من ذلك التنبيه القوي الذي يثيره السماع للموسيقى في المخ فإن العلماء يقولون أن الأذن تحديدا تحتوي على أقل عدد من الخلايا الحسية إذا قارناها بالأعضاء الحسية الأخري كالعين مثلا فبينما يوجد في الأذن 3500 خلية داخلية من شعيرات الحس السمعي فيوجد بالمقابل مائة مليون مستقبلة ضوئية في العين ولكن الإستماع للموسيقى ينبه الدماغ لتشغيل عدد من المناطق تقع خارج القشرة السمعية والتي تحوي مناطق تكون عادة منشغلة بنوعيات أخرى من التفكير فتجعل تأثر الإنسان بالموسيقى يعتمد على خبراته الخاصة البصرية واللمسية والعاطفية في وقت الإستماع للجملة الموسيقية، كما تؤكد الدراسات أن الأشخاص الذين يتلقون تدريبات موسيقية مكثفة تزيد لديهم بدرجة كبيرة الخلايا التي تستجيب للنغمات الموسيقية خاصة في المناطق السمعية في الجزء الأيسر من المخ بنسبة قد تصل ل 25% عنه في الأشخاص الغير مدربين، وتزداد النسبة كلما بدأ الإنسان في التدرب على الموسيقى من سن صغيرة .
وفي دراسة أجراها باحثين بجامعة كوستانز بألمانيا على عازفي الكمان وجد العلماء أن المناطق الدماغية التي تستقبل الإشارات العصبية من اليد اليسرى من الأصابع الأربعة "السبابة وحتى الخنصر" تكون أكبر كثيرا من الموجودة في غير عازفي الألات الوترية، كما أن إستجابة المخ لصوت البوق عند عازفي البوق تختلف عن إستجابته للأصوات الأخرى. 
وفي النهاية تؤكد الأبحاث أنه لا أحد يمكن إعتباره موسيقي بالفطرة ولكن التدريب والتعليم يجعل المخ يتنبه ويتكيف دائما مع ما يصله من خبرات وبيانات. قد يكون للموسيقى دور كبير في تحفيز الهمم وإثارة الحماسة. 
ولذلك .. نطالب بالمزيد من الأغنيات الحماسية الثورية التي تمجد الوطن ولا تتعبد في محراب الحاكم. 

الثلاثاء، 19 أبريل 2011

لأنه رجل

لأنه رجل فالكون خلق من أجله وما في الكون مسخر لخدمته ، لأنه رجل فهو الأقوى والأحكم يقيم الحروب ويصنع الصراعات ويهدر دماء الخصوم، لأنه رجل فالأمر له يقود الرعية ويوجه الدفة حيث أراد وكيفما أراد ولا يجب أن يبدي أحد إعــتراض حتــى لو ســار ضد التيــار وأوردهـم مـوارد الخــطر.
 في كل رجل هناك ديكتاتور كامن يتحين الفرصة للظهور ويعلن عن وجوده في كل موقف يتيح له ذلك ، ويصنع إمبراطوريته الخاصة والتي قد تضم فقط عائلته أو من هم تحت إدارته وكلما علت به المناصب وزادت أعداد الرعايا والخاضعين لسيطرته علا به غروره وهام في أحلام القوة والسيادة والسيطرة. 
بالرغم من المتغيرات الإجتماعية الكبيرة التي مرت بها دول العالم بلا تمييز وبالرغم من التطور الذي يطال جميع مناحي الحياة تقريبا وبالرغم من أن المرأة اليوم أصبحت تماثله وتتفوق عليه في التعليم والعمل وقد تكون حظوظها أفضل في نيل المناصب وفرص العمل إلا أن أدم لم يتغير ومازال في أعماقه يحمل ميراث أجداده ويعاني نفس عقدة التفوق الذكوري.
ولا ينكر أحد أن الأمر أكثر وضوحا وتأثيرا في المجتمعات الشرقية عنه في المجتمعات الغربية ولا يعني ذلك إنتفاء وجوده في المجتمعات الغربية بعدة صور تصل للعنف الجسدي والإستغلال الوظيفي وإن كان ذلك عقوبته هناك كبيرة في حالة إثباته. 
أما في المجتمعات الشرقية فالأمر ينمو مع الطفل الوليد ومنذ أن يفتح عينيه لأول مرة ويرى ضياء الدنيا فإذا كان ولد غمرت السعادة الوجوه وأنهالت التبريكات والتهاني على الوالدين الفخورين بإنجازهما العظيم، وإن كانت فتاة فالأمر يختلف ما بين تهنئة واجبة حتى يصل لما يشبه التعازي خاصة في حالة أن يكون قد سبقها فتيات أخريات دون أن يكون بينهن صبي، يتطور الأمر كل يوم وكل لحظة فالكثير من الحريات والخدمات التي تقدم للصبي لا تتمتع بها الفتاة فهي تقوم بواجباتها المنزلية وتهتم بدراستها وتتعرض للكثير من الإنتقادات في كل حركة وكل كلمة وتلاقي العديد من التوجيهات وحتى من إخوانها الذكور الأصغر سنا دون أن يجد الوالدين أي غضاضة في ذلك بينما لا يطلب من الفتي أكثر من الإهتمام بدراسته وتحاول الأسرة بكل الطرق مساعدته ودفعه للنجاح بكل الطرق المتاحة، تنتقل الفتاة لبيت زوجها ولا تختلف المعاملة كثيرا وبالرغم من كونها تعلمت مثله وتعمل مثله وفي الكثير من الأحيان يكون دخلها أعلى إلا أنه لا يفكر في الكثير من الأحيان في مساعدتها في رعاية الأطفال أو الإهتمام بالمنزل فهذا واجبها وحدها و"كل النساء تفعل ذلك!" بحسب قول بعض الذكور، بل أنها مطالبة بتحمل عصبيته ونزواته وتنفيذ أوامره والتي قد تخلو في بعض الأحيان من المنطقية، ودائما هي المطالبة بالحفاظ على بيتها وتحمل زوجها تحت كل الظروف وهي الملومة في حالة فشلت علاقتها الزوجية لأي سبب من الأسباب.
بل أن التفرقة تصل مداها في بعض الدول والتي تبيح عمليات إختيار جنس الجنين أو التي تسمح بإجهاض الإناث وخاصة في دول مثل الهند والصين والتي أختلت فيها التركيبة السكانية بسبب مثل هذه الإجراءات المتطرفة.
كل هذه المميزات والفوارق يصنعها المجتمع وتصنعها الأفكار الموروثة ولا يصنعها كروموسوم Y الصغير المتعدد الأشكال الفقير في الجينات والذي يميز الذكر عن الأنثى،  ويصنع الإختلاف الهرموني والتشريحي بينهما. 
أعلم أن الحكماء والعلماء والقادة العظام كان غالبيتهم العظمى من الرجال وأن العلم الحديث يؤكد وجود إختلافات بين حجم المخ وأسلوب عمله وتعامله مع البيانات بين الذكر والأنثي إلا أن ذلك لا يبيح لجميع الرجال الحصول على ضمان بالتفوق أو التمتع بمزايا خاصة وإنما الساحة مفتوحة للأكثر كفاءة والأكثر قدرة على التكيف والعمل فلتثبت قدرتك بالعمل والتفوق وتحقق ذاتك "أنت" يا أدم ولا تعتمد على تاريخ أسلافك أو محصلة ما قدمه بنو جنســك.