الثلاثاء، 5 فبراير 2013

وكأن شيئاً لم يكن

عامان مضا .. خفَت الحلم .. وبهت الأمل .. وعاد الغضب يعصف بالنفوس .. وكل يوم يتكشف لنا مدى سذاجتنا وفداحة أخطائنا .. وكأننا لم نكن أكثر من لعبة يتحكم بمشاعرها وتطلعاتها لاعب ماهر لتحقق له أهادفه ولا يهم بعدها أن تنكسر أو يلحق بها عطب لا براء منه.
وكأننا سقطنا في فجوة زمنية حيث الأيام تتكرر بحذافيرها .. نفس المطالب .. نفس الأساليب .. نفس الإتهامات .. نفس الوجوه تطفو حينا وتغيب حينا لتعاود الظهور مجددا .. وقطار الكوارث يسير في اتجاه واحد نحو الهاوية لا يلتفت للجثث التي سقطت تحت عجلاته .. ولا يعي السائق نفسه أن السقوط في الهاوية لن ينجو منه أحد لا راكب ولا قائد .. وحتى خيار القفز لم يعد متاحا بعد الأن .. فالحساب ولابد قادم وأقرب مما يتصور أحد. 
يطالب الناس بعدالة إجتماعية يتحقق فيها تكافؤ الفرص وينال كل مجتهد نصيبه على قدر جهده ومؤهلاته .. وتظل الأولوية للأهل والعشيرة وأصحاب الثقة دون أصحاب الكفاءة والمؤهلين .. وحتى أن مطلب كوضع حد أقصى للأجور لن يكلف خزانة الدولة شئ بل على العكس سيوفر الكثير ويشعر العاملين في نفس المكان بوجود شئ من العدل .. توضع في طريقه العراقيل لتظل نسبة محدودة من كل مؤسسة تستنزف خيراتها بلا أحقية. 
يطالب الناس بإصلاح أحوالهم الإقتصادية فترتفع أسعار السلع وتزيد الضرائب وتشتعل تكلفة الخدمات المتهالكة من الأساس.
يطالبون بإحترام أدميتهم ومعاملتهم كبشر فتتفنن الحكومة في إيجاد سبل لإنتهاك وإهدار كرامتهم وأدميتهم وأي قيمة إنسانية لديهم. 
يحتجون على الموت تحت التعذيب فتزيد معدلاته وتعلو وتيرته ولا أحد يُحاسب. 
يطالب الناس بعقاب المهمل والإهتمام بأعمال الصيانة والرقابة حفاظاً على الأرواح فتكثر حوادث الإهمال الدموية ولا من محاسب ولا من مراقب.
لا يلوح في الأفق بوادر تحقيق لأي مطلب شعبي مهما كان شرعيا وبسيطا ولا حتى أي محاولة على الطريق لتحقيق هذه المطالب .. وكأنهم يعملون فقط على كسر ارادة الشعب وإحباطه والكيد له وتحطيمه نهائياً. 

كثيراً ما كنت أعجب للإتهامات المعلّبة الجاهزة التي كانت تلاحق المعارضين سابقا بالعمالة والخيانة لأمريكا والصهيونية العالمية .. وكنت أتسائل كيف يقول ذلك نظام تتغني الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية بكونه الصديق والكنز الإستراتيجي .. ولا يتغير الأمر الأن فالإتهامات مازالت تنهمر على كل معارض ومُطالب بالإصلاح ولكن أضيف اليها الكثير من عينة كافر وعلماني وليبرالي وشيوعي ومسيحي ومن أعداء الإسلام ... الى أخره من الإتهامات التي تنهمر عليك في كرم بالغ. 
ولا يمانع البعض من اعتبار مطالباتك بالإصلاح إفساد في الأرض وخروج على الشرعية ويستوجب بحسب شريعة المتأسلمين حد الحرابة. فلا يهتز لهم جفن من رؤية شباب يافع ناجح يُقضى تحت التعذيب بعد أن تم كهربته وتكسير عظامه واسنانه وسبل عينه بوحشية وبشاعة عز نظيرها!

لا يمانع هؤلاء في التحريض على التحرش بالفتيات الثائرات فهذا من وجهة نظرهم مشروع لترهيبهن وليبقين في المنزل ولا يزدن أعداد الأعداء بحسب تعبير بعضهم. 

لقد كنت أحد الذين لم يمانعوا في حكم الجماعات الإسلامية للبلاد وتصورت أن لديهم مشاريع تنموية فعلية وأن وجودهم مبشر بتحقيق العدل والمساواة والتكافل الإجتماعي والذين هم من أساسيات الحكم الإسلامي قبل أي شيء أخر .. فما وجدت غير مزيد من الجور والفوضى والهمجية وعقول مظلمة صبها التعصب في قوالب لا يمكنها الخروج منها ولو أرادت .. وقلوب ممتلئة بحق وغل وكراهية على مخلوقات الله لا يمكن أن تجتمع في قلوب ذاقت الإيمان وعرفت الله. 

لا شئ تغير .. فالدرس الوحيد المستفاد من التاريخ .. أنه لا أحد يستفيد من دروس التاريخ!