الثلاثاء، 3 أبريل 2012

عفوا لقد نفد رصيدكم

الثورة، زلزال يهز كل ما على الأرض من ثوابت، بركان يتغذي من الغضب والذل والألم والظلم والمعاناة، حتى اذا لما تعد قشرة الأرض قادرة على كبح جماحه، انطلــــق هائـــجا مدمـــــرا ما في طريقه.
 عرفنا الثورة بحرارتها وعنفوانها ورأينا كيف تم التعامل معها حتى خبا لهيبها أو كاد، وكما انكشف لنا حجم الفساد وتعقيداته وتشابك مسارات المستفيدين منه، وكما عرفنا حجم ما تم نهبه واهداره من اموال وثروات شعب بائس يصارع ليعبر يومه وهو مازال على قيد الحياة، انكشفت لنا أيضا خامات ومعادن الكثير من الشخصيات والفئات والجماعات على الساحة ، وانهارت الكثير من المعتقدات والثوابت الراسخة التي عشنا في اوهامها سنوات وسنوات، عن معارضين كان معارضتهم لخدمة الشكل الديمقراطي للنظام وبدعمه، صيحاتهم لا تتعدى المدى المطلوب منهم، يؤدون ادوارهم وينالون جزائهم ولا يتخطون الخطوط الحمراء.

 وأنكشف لنا نوع من المجاهدين الذين حوربوا لسنوات ولاقوا الأمرين في المعتقلات ودفعوا ثمن مواقفهم من سنوات عمرهم واموالهم، وظلوا يمتنون على الشعب بما لاقوه من النظم الديكتاتورية المتوالية في رحلة كفاحهم، ويعدوننا أنهم اذا تولوا الأمر ليقيمون العدل ويهدمون دولة الباطل، حتى واتتهم الفرصة واصبح من كان بيده السلطة العليا "حزب منحل" ومن كان "محظورا" بيده السلطة.

 فماذا كانت النتيجة؟

أكاد أقسم أنها لعنة ما في الكرسي تصيب الجالس عليه بنشوة مرضية تلهيه عن المبادئ والقيم وتنسيه الحقوق والواجبات فلا يعد يرى غير سطوة المنصب ولا يعرف غير لغة المصلحة.

يلح علي سؤال هنا .. لكم أيها المجاهدون: هل جهادكم كان يوما للحق والعدل واعلاء كلمة الدين ؟ أم أن الأمر لم يتعدى يوما كونه صراع رخيص على السلطة والمصالح الخاصة ومحاولة الحصول على اكبر قدر من المكتسبات!

 هل تؤمنون حقا بأن المناصب هي لخدمة الشعب والدولة أم تعتقدون أنه لا حق ولا ذمة الا لمن كان منتسبا للجماعة، وأن السلطة يجب ان تكون مطلقة لكم تُسيٌرونها كما تُسيٌرون جماعتكم ، على طريقة "لا تجادل ولا تناقش" ولا تخالف رأي الجماعة والقائمين عليها وإلا ستطرد من رحمتهم ويطرد من يواليك أو يظهر لك المودة.

 كيف يستقيم انتسابكم للدين مع الكذب والخداع وموالاة الظالم والسكوت عن الحقوق، كيف يستقيم مع القذف ورمي الناس بالباطل واخراجهم حتى من دينهم اذا لم يوافقوا على سياستكم المخلخلة المتناقضة القائمة على ردود الفعل والمساومات؟

الحديث الأن عن تاريخكم ضد الأنظمة الديكتاتورية لم يعد ذات معنى فهو كان للجماعة ولصالح الجماعة وليس لكم ان تمنون علينا به اليوم أو تنتظرون من الشعب المهدر الحقوق أن يرد لكم الجميل.

 لقد قدم الشعب لكم السلطة على طبق من ذهب فأدرتم له ظهوركم في أول فرصة وأنقلبتم عليه ولا أعتقد أن صبره عليكم سيطول أو سيترك لكم الفرصة للتغلغل أكثر من ذلك في السلطة ويسمح لرجلكم الذي نال عفو ورضا العسكر بتولي مقعد الرئاسة، فنجد أنفسنا وقد دفعنا ثمنا غاليا للتخلص من زواج المال بالسلطة ووقعنا في علاقة من نوع جديد يمتزج فيها السلطة بالمال بالدين، ويُشبٌه فيها الزعماء بالرسل والأنبياء بعد أن كانوا يُشبٌهون بالأباء. 

الشعب وحتى اليوم لم يرى فيكم الا استنساخ للنظام السابق بلا أي تغيير إيجابي يذكر، بل أن التسلط والديكتاتورية اصبحت تمارس باسم الدين ومن يعترض عليه ان يتلقى في صدره سهام التكفير والتخوين.

استمعوا الى صوت العقل والحق، وأنصتوا حتى لمن كانوا منكم يوما وتركوكم يأسا وحزنا،  وراجعوا أنفسكم قبل فوات الأوان.