الجمعة، 29 أبريل 2011

الرئيس المزمن

عندما يصاب الجسد بأحد الأمراض المزمنة ، تتغير الكثير من الأشياء فهي أمراض تتسلل للجسد تضعفه وتنهكه وتعوق الإنسان عن ممارسة حياته بالشكل المعتاد ويصبح المريض مضطرا للتوائم مع المرض ومتابعة تطوره وتقدمه ، ومعظم الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط وأمراض القلب كلما طال بها الزمن كلما تأثرت بها أعضاء الجسم المختلفه وتطورت حالة المرض وحتى تؤدي في النهاية مع المضاعفات العديدة للموت. وتقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الوفيات بتأثير الأمراض المزمنة بحوالي 60% من النسبة الكلية للوفيات سنويا.
فبكم يا ترى تقدر نسبة القتلى والجرحى من ضحايا الرؤساء المزمنين والذين أبتليت بهم بلادنا العربية وأصبحوا تماما كما المرض المزمن يصيبون الدولة بالضعف والوهن ويبسطون ظلالهم على حياة البسطاء والكادحين فيزيدونها رهقا وألما ويصعبون عليهم حياتهم؟ فكما تسوء حالة المريض بطول بقاء المرض المزمن ويستحيل علاج تأثيراته المرضية كلما تقدم به الزمن فكذلك يكون الحاكم المزمن كلما طال بقاءه زادت حالة البلاد سوءً وأصبح من الصعب التخلص منه ومن تأثيراته المميته على البلاد والعباد ، فزين العابدين بن علي والذي أصاب تونس لثلاثة وعشرين عاما راح ضحيته 219 شخص هم شهداء ثورة الياسمين - والعهده على مجلس حقوق الإنسان - لا يشمل ذلك ضحاياه في المنفى وفي المعتقلات وغير ذلك ممن سحقت أحلامهم وتضررت حياتهم بسبب الفساد الذي أستشرى وكما هو الحال مع  البو عزيزي والذي أطلق إنتحاره حرقا شرارة الثورة . وكان رحيل بن علي التاريخي الغير مسبوق في 14 يناير من العام الجاري.
تلاه رئيس مزمن أطول عمرا وأكثر مكوثا في كرسي الرئاسة وتأثيره المرضي أصاب اعضاء ومفاصل الدولة في مقتل فأنتشر الفساد بشكل غير مسبوق وضعفت مناعة الدولة فأنتشر في جسدها الطفيليات التي أمتصت خيراتها ولم يبقى لأبنائها إلا الثورة فخرجوا غير عابئين بالموت وبأجهزته القمعية التي طالما سامتهم سوء العذاب وكان وجه الثورة فيها هو خالد سعيد أحد ضحايا التعذيب والذي لم يكن عليه حساب أو رقابه في ظل قانون الطوارئ . تمكنت الثورة المصرية المجيدة من خلع الرئيس المزمن حسني مبارك والذي بقى في كرسي الحكم لثلاثين عاما وأوشك أن يورث الجسد المريض لإبنه لولا أن تداركت عناية الله أهل مصر، وقدرت أعداد شهداء الثورة في مصر وحسب تقرير إتحاد الأطباء العرب قرابة الألف شهيد وقرابة الستة ألاف جريح بالطبع لم يكونوا وحدهم ضحايا الرئيس المزمن فقد سبقهم ألاف مؤلفه من ضحايا الفساد والإفقار المتعمد في العبارات والقطارات وقوارب الموت وحوادث الطرق وضحايا المسرطنات وسوء التغذية ونقص الرعاية الصحية ... وجرائم لا تعد ولا تحصى في حق مصر وشعبها حتى تمكن الشعب من خلعه أخيرا في 11 فبراير من العام الجاري ومازالت مصر في دور النقاهة والذي يحتاج الكثير من الإنتباه والرعاية والإهتمام.
ثم يأتي دور رئيس أخر أصاب بلاده لثلاثة وثلاثين عاما جعلها نموذج للفقر والمعاناة وأستخدم مع شعبه كل وسائل المماطلة ولعب بكل الأوراق محاولا إطالة فترة بقاءه ومكوثه على كرسي الحكم ولم يمانع في قتل وإصابة أعداد كبيرة وحتى ضرب المتظاهرين بكل الأسلحة القمعية المعروفة والمجهولة ، المسموحة والممنوعة ، وهو لا يمانع في إثارة حرب أهلية أو تقسيم بلاده فما يهم هو فقط بقاءه وحماية مصالح أبناءه وأتباعه، ومازال الشعب اليمني يحاول أن يعالج مرضه المزمن ويصرخ كل ساعة وكل يوم "إرحل يا علي" عسى أن يستجيب قريبا ويفهم ويترك اليمن يلملم جراحه ويعوض ما فاته.
وأخيرا نصل للمرض في مراحله المتقدمه المستعصية على العلاج والذي أستمر بقاءه لأكثر من أربعين عاما حيث يكون قد توغل وتمكن من جسد الدولة بدرجه تجعله يصر على البقاء وحتى هلاك هذا الجسد الذي تسبب هو في إمراضه ، هو على أستعداد لإستخدام أقصى درجات القوة وحتى الإبادة الجماعية دون أن يهتز له جفن، أصبحت الصورة دموية بشكل غير معقول وغير إنساني في ليبيا والتي أصابها الرئيس المزمن من أكثر من إثنين وأربعين سنة ولم يقبل أن يطالب الشعب وبعد كل هذه السنوات بحريته وحقوقه فلم يتورع عن قصف المدن والمدنيين ليلا ونهارا بالأسلحة الثقيلة ، وأصاب بلاده بالدمار الشامل ومازال مصرا على البقاء وحتى أخر ليبي ، والصورة لا تختلف كثيرا في سوريا والتي أنتقل فيها الحكم وراثيا ليبقى أصحاب المصالح في كراسيهم وليتم قهر وقمع كل من تسول له نفسه لرفع رأسه أو المطالبه بحقوقه الأدمية فالمرض ليس فقط مزمن ولكنه مزمن وراثي.
لم يبقى إلا أن نتمنى لبلادنا التي مازالت تعاني من مرض الرئيس المزمن بالشفاء العاجل دون إراقة المزيد من الدماء.

الأربعاء، 27 أبريل 2011

ألحان ثورية

لطالما تعجبت من عشق أصدقائي أصحاب الروح الثورية لأغنيات الشيخ إمام، وبائت محاولاتي في أستساغة نغمات أغنياته القديمة بالفشل فقد أعتادت أذاننا نوعيات أخرى من الموسيقى ذات إيقاعات تتميز بسرعات أكبر ونغمات أعلى من أغنيات ذلك العصر وغزت التكنولوجيا الحديثة في مجال الصوتيات والإلكترونيات أغلب ما نسمعه من مقطوعات وأغنيات، ثم قامت الثورات وكأنها قامت على كل ما هو مصطنع ومفتعل وكل ما هو ليس خارج من تراب الوطن، وأنبعثت معها أغاني إمام الثورية وفجأة أصبحت بالنسبة لي منطقية ومستساغة فهي أصيلة ومن صميم الروح المصرية وتعرف كيف تثير الحماس في النفوس وتحركها  

 يا مصر قومي وشدي الحيل  ::  كل اللي تتمــــــنيه عنـــدي
لا القهر يطويني ولا الليـــــل :: آمان آمان آمان بيرم أفندي
  رافعــين جباه حرة شريفــــة ::  باسطين أيادي تأدي الفرض
 ناقصـــين مــؤذن وخليفـــة  :: ونور ما بين السما والأرض
      يا مصر عودي زي زمــــان ::  ندهة من الجامعة وحلوان      
يا مصـــر عــودي زي زمان :: تعصــــي العــدو وتعــاندي

عاد الشباب يبحث عن الكلمة التي تعبر عنه، عن شعراء تغنوا بحب مصر وصاغوا مشاعره نحو الوطن في كلمات خالدة بليغة فها هي أم كلثوم تشدو برائعة إبراهيم ناجي
 
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
حلفنا نولي وجهنا شطر حبها
و نبذل فيه الصبر و الجهد و العمرا
سلاماً شباب النيل في كل موقف
على الدهر يجني المجد للنيل و الفخرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة
فلا كان منا غافل يصم العصرا
تعالوا نقل للصعب أهلاً فإننا
شباب ألفنا الصعب و المطلب الوعرا
شباب إذا نامت عيون فإننا
بكرنا بكور الطير نستقبل الفجرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا
و من يغتدي للنصر ينتزع النصرا
 
عندما عادت أغاني العزة والمجد تصدح بما في نفوس الثوار جعلتنا نتسائل كيف حرمنا حتى من أغنيات في حب الوطن تهز القلوب وتدغدغ المشاعر وتحول الشعراء والملحنين في عصور القهر والإستبداد لمتسلقين في منظومة النفاق التي تتغنى بمناقب الرئيس الملهم الذي أختصر الوطن في ذاته.
كيف يتأثر الإنسان بالموسيقى ؟ ما هو سرها الذي يجعل حتى الطفل في رحم أمه يتأثر بها ، كيف يمكن لنوتات صغيرة أن تبهجنا وتبكينا أو تشعرنا بالحماسة والفخر أو الحزن والألم؟ ولماذا تركت الحضارات القديمة والموغلة في القدم ألات موسيقية ورسومات جدارية تمثل العزف وطرب المستمعين وتمايلهم مع النغمات ؟
كيف أستطاعت الموسيقى أن تؤثر في الجموع وتوطد العلاقات الإجتماعية حيث يجتمع الأصدقاء حولها في جلسات السمر والسهر؟
حيرت الموسيقى وتأثيرها الساحر الباحثين والعلماء فبدراسة تأثيرها على المخ لم يستطيعوا تحديد مواقع خاصة في المخ تثار أو تنشط بصفة خاصة عند سماع الموسيقى فالعديد من مناطق المخ تنشط في وقت واحد عند الإستماع للموسيقى وإن كان من الملاحظ أن هناك تغير في المناطق التي تتفاعل معها كلما زادت خبرة ودراسة المستمع  وبالرغم من ذلك التنبيه القوي الذي يثيره السماع للموسيقى في المخ فإن العلماء يقولون أن الأذن تحديدا تحتوي على أقل عدد من الخلايا الحسية إذا قارناها بالأعضاء الحسية الأخري كالعين مثلا فبينما يوجد في الأذن 3500 خلية داخلية من شعيرات الحس السمعي فيوجد بالمقابل مائة مليون مستقبلة ضوئية في العين ولكن الإستماع للموسيقى ينبه الدماغ لتشغيل عدد من المناطق تقع خارج القشرة السمعية والتي تحوي مناطق تكون عادة منشغلة بنوعيات أخرى من التفكير فتجعل تأثر الإنسان بالموسيقى يعتمد على خبراته الخاصة البصرية واللمسية والعاطفية في وقت الإستماع للجملة الموسيقية، كما تؤكد الدراسات أن الأشخاص الذين يتلقون تدريبات موسيقية مكثفة تزيد لديهم بدرجة كبيرة الخلايا التي تستجيب للنغمات الموسيقية خاصة في المناطق السمعية في الجزء الأيسر من المخ بنسبة قد تصل ل 25% عنه في الأشخاص الغير مدربين، وتزداد النسبة كلما بدأ الإنسان في التدرب على الموسيقى من سن صغيرة .
وفي دراسة أجراها باحثين بجامعة كوستانز بألمانيا على عازفي الكمان وجد العلماء أن المناطق الدماغية التي تستقبل الإشارات العصبية من اليد اليسرى من الأصابع الأربعة "السبابة وحتى الخنصر" تكون أكبر كثيرا من الموجودة في غير عازفي الألات الوترية، كما أن إستجابة المخ لصوت البوق عند عازفي البوق تختلف عن إستجابته للأصوات الأخرى. 
وفي النهاية تؤكد الأبحاث أنه لا أحد يمكن إعتباره موسيقي بالفطرة ولكن التدريب والتعليم يجعل المخ يتنبه ويتكيف دائما مع ما يصله من خبرات وبيانات. قد يكون للموسيقى دور كبير في تحفيز الهمم وإثارة الحماسة. 
ولذلك .. نطالب بالمزيد من الأغنيات الحماسية الثورية التي تمجد الوطن ولا تتعبد في محراب الحاكم. 

الثلاثاء، 19 أبريل 2011

لأنه رجل

لأنه رجل فالكون خلق من أجله وما في الكون مسخر لخدمته ، لأنه رجل فهو الأقوى والأحكم يقيم الحروب ويصنع الصراعات ويهدر دماء الخصوم، لأنه رجل فالأمر له يقود الرعية ويوجه الدفة حيث أراد وكيفما أراد ولا يجب أن يبدي أحد إعــتراض حتــى لو ســار ضد التيــار وأوردهـم مـوارد الخــطر.
 في كل رجل هناك ديكتاتور كامن يتحين الفرصة للظهور ويعلن عن وجوده في كل موقف يتيح له ذلك ، ويصنع إمبراطوريته الخاصة والتي قد تضم فقط عائلته أو من هم تحت إدارته وكلما علت به المناصب وزادت أعداد الرعايا والخاضعين لسيطرته علا به غروره وهام في أحلام القوة والسيادة والسيطرة. 
بالرغم من المتغيرات الإجتماعية الكبيرة التي مرت بها دول العالم بلا تمييز وبالرغم من التطور الذي يطال جميع مناحي الحياة تقريبا وبالرغم من أن المرأة اليوم أصبحت تماثله وتتفوق عليه في التعليم والعمل وقد تكون حظوظها أفضل في نيل المناصب وفرص العمل إلا أن أدم لم يتغير ومازال في أعماقه يحمل ميراث أجداده ويعاني نفس عقدة التفوق الذكوري.
ولا ينكر أحد أن الأمر أكثر وضوحا وتأثيرا في المجتمعات الشرقية عنه في المجتمعات الغربية ولا يعني ذلك إنتفاء وجوده في المجتمعات الغربية بعدة صور تصل للعنف الجسدي والإستغلال الوظيفي وإن كان ذلك عقوبته هناك كبيرة في حالة إثباته. 
أما في المجتمعات الشرقية فالأمر ينمو مع الطفل الوليد ومنذ أن يفتح عينيه لأول مرة ويرى ضياء الدنيا فإذا كان ولد غمرت السعادة الوجوه وأنهالت التبريكات والتهاني على الوالدين الفخورين بإنجازهما العظيم، وإن كانت فتاة فالأمر يختلف ما بين تهنئة واجبة حتى يصل لما يشبه التعازي خاصة في حالة أن يكون قد سبقها فتيات أخريات دون أن يكون بينهن صبي، يتطور الأمر كل يوم وكل لحظة فالكثير من الحريات والخدمات التي تقدم للصبي لا تتمتع بها الفتاة فهي تقوم بواجباتها المنزلية وتهتم بدراستها وتتعرض للكثير من الإنتقادات في كل حركة وكل كلمة وتلاقي العديد من التوجيهات وحتى من إخوانها الذكور الأصغر سنا دون أن يجد الوالدين أي غضاضة في ذلك بينما لا يطلب من الفتي أكثر من الإهتمام بدراسته وتحاول الأسرة بكل الطرق مساعدته ودفعه للنجاح بكل الطرق المتاحة، تنتقل الفتاة لبيت زوجها ولا تختلف المعاملة كثيرا وبالرغم من كونها تعلمت مثله وتعمل مثله وفي الكثير من الأحيان يكون دخلها أعلى إلا أنه لا يفكر في الكثير من الأحيان في مساعدتها في رعاية الأطفال أو الإهتمام بالمنزل فهذا واجبها وحدها و"كل النساء تفعل ذلك!" بحسب قول بعض الذكور، بل أنها مطالبة بتحمل عصبيته ونزواته وتنفيذ أوامره والتي قد تخلو في بعض الأحيان من المنطقية، ودائما هي المطالبة بالحفاظ على بيتها وتحمل زوجها تحت كل الظروف وهي الملومة في حالة فشلت علاقتها الزوجية لأي سبب من الأسباب.
بل أن التفرقة تصل مداها في بعض الدول والتي تبيح عمليات إختيار جنس الجنين أو التي تسمح بإجهاض الإناث وخاصة في دول مثل الهند والصين والتي أختلت فيها التركيبة السكانية بسبب مثل هذه الإجراءات المتطرفة.
كل هذه المميزات والفوارق يصنعها المجتمع وتصنعها الأفكار الموروثة ولا يصنعها كروموسوم Y الصغير المتعدد الأشكال الفقير في الجينات والذي يميز الذكر عن الأنثى،  ويصنع الإختلاف الهرموني والتشريحي بينهما. 
أعلم أن الحكماء والعلماء والقادة العظام كان غالبيتهم العظمى من الرجال وأن العلم الحديث يؤكد وجود إختلافات بين حجم المخ وأسلوب عمله وتعامله مع البيانات بين الذكر والأنثي إلا أن ذلك لا يبيح لجميع الرجال الحصول على ضمان بالتفوق أو التمتع بمزايا خاصة وإنما الساحة مفتوحة للأكثر كفاءة والأكثر قدرة على التكيف والعمل فلتثبت قدرتك بالعمل والتفوق وتحقق ذاتك "أنت" يا أدم ولا تعتمد على تاريخ أسلافك أو محصلة ما قدمه بنو جنســك.  

الاثنين، 11 أبريل 2011

أسلحة قمعية

أتابع مثل الملايين غيري الحركات الإحتجاجية والثورات والتي لم تهدأ ولم يُطفئ لهيبها ومنذ اندلاع الثورة التونسية ، قرأت وسمعت عن مختلف الأسلحة القمعية الأمريكية الإسرائيلية الصنع والتي تشتريها الحكومات بأموال الشعب لقمع إرادته وإخماد صوته ومطالبه إلى الأبد، وبالرغم من نقل وسائل الإعلام لمشاهد مفزعة من إطلاق للرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع ودهس المدرعات للمتظاهرين بلا رحمة ، وبالرغم من الصدمة الكبيرة التي سببتها لي محرقة يوم الأربعاء الثاني من فبراير في ميدان التحرير، إلا أن المشهد الذي تم نقله من اليمن كان مرعب ويثير العديد من التساؤلات ، فالأعراض التي ظهرت على المحتجين ومعظمهم من الشباب اليمني الواعد وطلبة الجامعة كانت غريبة جدا ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون نتيجة الغاز المسيل للدموع والمعروف بCS -Gas  أو chlorobenzylidenemalononitrile والذي يستخدم عادة في تفريق المتظاهرين ، والأمر ذاته تكرر في أيام الثورة المصرية حيث ظهرت أعراض غريبة وغير متوقعة على المتظاهرين كحالات التشنج الشديد وفقدان الوعي ، وإن كان البعض قد برر ذلك بإنتهاء صلاحية هذه الأسلحة من سنوات طويلة قد تصل إلى خمسة عشر سنة إلا أن الأمر كان لافت للنظر ودافعا للبحث والتنقيب عن نوعية الغازات المستخدمة في تصنيع الأسلحة وتأثيراتها على البشر وطرق الوقاية والإسعاف الممكنة منها.

- غاز الأعصاب Nerve agents 
 وهي مركبات تؤثر على النواقل العصبية في الجسم البشري وتصنف تحت قائمة مركبات الفوسفات العضوي  Organophosphates وهي مركبات يمكن أن يمتصها الجسم عن طريق الجلد أو التنفس أول ما تم إكتشافه في هذه المجموعة هو مركب  tabun تم إكتشافه في عام 1936 وخلال فترة قصيرة تم إكتشاف ألاف من المركبات المماثلة مثل السارين  sarin  والذي تم تحضيره في عام 1938 و السومان soman والذي تم تحضيره في 1940 هذه المركبات الثلاثة تم تصنيفها تحت مجموعة واحدة سميت G agents  وتلتها مجموعة أخرى تعرف ب V-agents أكثر سمية من سابقتها بعشرة مرات. 
ترجع السمية الشديدة لهذه المركبات لإرتباطها بالأسيتيل كولين إستيريز acetylcholinesterase وإيقاف عمله في التعامل مع الناقل العصبي الأسيتيل كولين acetylcholine  ويتسبب ذلك في تراكمه وإنقطاع البث في المستقبلات العصبية معطيا أعراض ما يسمى بالأزمة الكولينية cholinergic crisis وهي تشمل التعرق الشديد وزيادة إفراز البول والإسهال وحدوث تشنجات شديدة كما تؤثر بشدة على الرئتين والقصبة الهوائية  وقد يصل الأمر لشلل تنفسي يؤدي للوفاة وكذلك شلل عضلي.
الإسعافات الأولية تتمثل في التعرض للهواء النظيف والإبتعاد عن منطقة إنتشار الغاز و سرعة التخلص من الملابس الملوثة عن طريق النزع دون تمريرها على الوجه ، غسل الجسم بماء نظيف وصابون وحتى التخلص من أثر هذه المركبات ، ثم تبدأ المعالجة ب atropine و oximes حيث يقوم الأتروبين بتجفيف الإفرازات ويقوم الأوكزيم بفك إرتباط الأسيتيل كولين إستيريز ليعود للعمل مرة أخرى. والأمر يعتمد بشكل كبير على سرعة إجراء الإسعافات وتركيز المادة التي تعرض لها المصاب في تقليل الأثار الضارة والمميتة التي تسببها هذه المجموعة الخطيرة من الغازات السامة.

غاز الخردل Mustard agents   

هذه النوعية من المركبات تتسبب في إحداث حروق شديدة بالجلد وأضرار شديدة بالأعضاء الأخرى كالعين والجهاز التنفسي والأعضاء الداخلية وتبدا الأعراض في الظهور خلال من ساعتين لأربعة وعشرين ساعة وتظهر الأعراض المتوسطة في صورة ألام شديدة بالعين وإلتهابات بالجلد وتهيج بالأغشية المخاطية وبحة في الصوت وسعال وعطس مستمر ، واعراض التسمم الشديد تكون في صورة  تقرحات وعمى وغثيان وتقيؤ ومضاعفات في الجهاز التنفسي والرئتين قد تؤدي للموت ، وكذلك يحدث إنخفاض شديد في عدد كرات الدم البيضاء وتأثير قوي على نخاع العظم والخلايا الليمفاوية يشبه التأثير الإشعاعي. 
الإسعافات تبدأ بنزع ملابس المصاب وغسيل جسمه وشعره بماء نظيف والبعض يفضل حلق الشعر بالكامل وكذلك غسيل عينيه بمحلول ملح ومحاولة إبقاءه بعيدا عن أي مصدر  للعدوى . ويعالج المريض بالمسكنات والمضادات الحيوية.

الغاز المسيل للدموع CS gas

من أهم المركبات المستخدمه في هذه النوعية من الأسلحة مركب  chlorobenzylidenemalononitrile وهي مركبات تسبب حكة شديدة وإلتهابات في العين وسيلان غزير للدموع وكذلك إلتهاب الجلد والجهاز التنفسي العلوي مما ينتج عنه كحة وعطس وصعوبة في التنفس. 
تمثل أقنعة الغاز وسيلة جيدة للحماية من تأثير الغاز ولكنها كذلك مكلفة وليست متوفرة إلا لرجال الجيش والشرطة ولذلك يستعيض عنها البعض بأستخدام قناع من قماش يحتوي على الفحم أو باستخدام قماش مبلل يحتوي على مادة صوديوم ميتا باي سلفات sodium metabisulphate  وهي تستخدم في الأغراض المنزلية للتخمير، هذه المواد يمكنها معادلة تأثير الغاز المسيل للدموع ، وفي حالة عدم توفر أي من هذه المواد يتم غسيل الوجه والعيون بالماء النظيف بسرعة وكذلك يتم الإبتعاد عن مكان إطلاق الغاز ، ولا ينصح أبدا باستخدام أي دهانات من مواد دهنية فالغاز يذوب في المواد الدهنية ويسبب المزيد من الألم والإلتهابات، يتم إزالة الملابس ووضعها في أكياس بلاستيك وتغلق جيدا وكذلك تزال الحلي والنظارات وتغسل جيدا بالماء والصابون قبل وضعها وتنزع العدسات اللاصقة ولا يعاد إستخدامها مرة أخرى وفي حالة وجود صعوبة في التنفس يتم إستخدام أدوية تعالج الأزمات التنفسية مثل bronchodilators والستيرويدات steroids ويغسل الجسم جيدا بالماء والصابون.

وفي النهاية هذه ضريبة فرضت على الشباب العربي أن يدفعها من دمه ودموعه فداء لحلمه في وطن يحقق فيه ذاته ويصنع مستقبله ويكون ..... حر.


الجمعة، 1 أبريل 2011

متعصبون

التعصب بذرة تزرع في الطفل الصغير منذ نعومة أظفاره تنمو معه ويسقيها الأهل كل يوم وكل لحظة، فالأباء يشكلون للطفل إنتماءاته وشخصيته ويفتحون عينيه على أن الولاء للمجموعة هو الخلاص وهو القوة وهو ما يصنع كيانه.
وقد حرصت الشرائع والمواثيق الدولية الحديثة ومن قبلها الأديان السماوية على التأكيد على مساواة البشر في الحقوق بدون النظر للفروق الفردية التي تميزهم وكان هذا من أهم بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة. 

وتنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن:
  • لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.
وبالرغم من هذا البند الإنساني الرائع الذي لغى كافة أشكال التمييز وبالرغم من التطور التكنولوجي الحادث والذي قرب كثيرا بين البشر وجعل جميع بقاع الأرض من أقصاها إلى أدناها تحت اصابعك يمكنك أن تعرف بسهولة شديدة ما يحدث في أي مكان لحظة حدوثه وأنت مكانك ، إلا أن ذلك لم يزيل الحواجز النفسية ولم يمنع تضخم شبح التعصب والطائفية والذي يفرض نفسه على مسار الأحداث بدرجة غير مسبوقة، ما الذي جعل أشباح التعصب والطائفية تسيطر على نفوس البشر وتتضخم بهذا الشكل المرعب وخاصة في منطقتنا العربية؟
ما الذي يغذي هذه النزعــات ويقويــها ومن المسـتفيد مما تحدثه من تصارع وتخريب؟ 
عندما تُجري حوار مع فئة من الناس أو طائفة تحمل نوع من الرفض القوي تجاه طائفة أخرى تجد في الأسباب التي صنعت هذه الكراهية والمواقف المتعصبة الكثير من الأكاذيب والتهويل والأفكار المغلوطة، كما أنها تلجأ للتعميم بشكل غير موضوعي فمن غير الممكن أن يكون أفراد طائفة بالكامل يحملون نفس الأفكار والمعتقدات بنفس الدرجة بلا تمييز ولا يكفي أن تنتمي لدولة أو ديانة أو طائفة ليعمم عليك أحكام جاهزة غير قابلة للنقاش ولا تتاح لك الفرصة للدفاع عن نفسك وأفكارك ووجودك وحقك الإنساني المشروع في إعتناق ما شاء لك من أفكار طالما أنت لم تتسبب في أذى للأخرين،   كما أن التعصب يبعد الإنسان عن التفكير المنطقي ويخرجه من قالبه المتحضر الراقي ويعيده إلى ظلمات الجهل واللامنطقية وقد يقوده ولائه لمجموعته لإرتكاب جرائم كبرى في حق الأخرين بلا ذنب جنوه. 
وهناك عدة مظاهر يتجلى فيها التعصب بوضوح مثل التعبير اللفظي والمقاطعة والتجنب والتفرقة في توفير فرص العمل والمزايا الأخرى وأخيرا قد يتخذ هذا التعصب شكل عنيف يصل حد الإبادة العرقية.
وبالرغم من وجود جانب إيجابي ملموس للتعصب يتم تصنيفه تحت شعارات الوطنية والإنتماء الديني وهي قوة إيجابية تتمثل في دفاع الإنسان عن وطنه ضد الغزاة وتعاطف أصحاب الديانة الواحدة معا في حالة تعرض بعضهم في أي مكان للظلم أو الكوارث البيئية ويتمثل ذلك في تقديم كل المساعدات الممكنة ووسائل الإغاثة المتاحة وهذا يمثل نوع من التكافل والمؤازرة الإيجابية المطلوبة.
إلا أنه يتحول لكارثة محققة تهدد السلام والأمن والإستقرار إذا تسبب في إشعال الفتن بين أبناء الوطن الواحد ووصل الأمر لمحاولة كلاً من الأطراف المتصارعة إبادة الأخر أو الإنتقاص من حقوقه ، عندما يصل الأمر إلى مرحلة "إما نحن أو أنتم" تدق نواقيس الخطر وتسيل الدماء البريئة بلا سبب يبرر ذلك إلا العنصرية والغباء البشري الذي يجعل البعض يتصور أنه أفضل أو أحق بالوجود والبقاء من الأخرين لأنه من جنس أو دولة أو طائفة مختلفة.
وإن كنت أجد في التعصب الشديد للدين أو الوطن أعذار ومبررات مفهومة ، فمن الصعب جدا بالنسبة لي تفهم أسباب التعصب الشديد للفرق الرياضية والتي يسفك فيها الدماء وتسوء العلاقات بين الدول ويتصرف فيها جماهير المتعصبين بشكل همجي قد ينتهي فيه المباراة بنسبة لا بأس بها من القتلى والجرحى والخسائر المادية.
ولا يمكنني قبول فكرة التعصب الذكوري التي تجعل من الكثير من الرجال يعتقدون أنهم الجنس الأذكى والأحكم والأقوى وأن النساء ليسوا إلا دمى متحركة لا عقل لها أو سبب في كل المشكلات وحاويات لكل النقائص على وجه الأرض بالرغم من تفوق المرأة دراسيا وإقتحامها لسوق العمل بكل قوة وجدارة.
التعصب والتمييز ينسحب حتى داخل الجنس الواحد والوطن الواحد والديانة الواحدة ويتوجه للإنتقاص من شأن أبناء المحافظات الأخرى كالسخرية من أهل الجنوب أو الإستخفاف بطبقات الفلاحين والعمال وإنتقاص حقهم في التعبير والإختيار. 

التعصب يظهر الوجه الأشد بدائية للبشر ويخلع عنهم قشور المدنية والتحضر وكأننا نتقدم تكنولوجياً ونتراجع إنسانياً.