الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

فن الإحتيال

يحفل التراث الأدبي وحتى السينمائي بحكايات عن شخصية المحتال ..  فهو مادة دسمة للعمل الدرامي لما يتمتع به من امكانيات ومواهب ليس اقلها الذكاء وحسن المظهر وبلاغة الخطاب وهي الصفات التي تجتذب إليه ضحاياه في الأساس وتفتح له المجال واسعاً للتعامل مع انماط البشر المختلفة ليسهل عليه تحديد هدفه واختيار الشرائح المناسبة من المجتمع والتي يمكنه التعامل معها ودفعها لتنفيذ رغباته وتحقيق الاستفادة المرجوة. 
وبالرغم من تعدد أساليب الإحتيال والخداع إلا أن هناك صفات أساسية تتوفر في جميع المحتالين بلا استثناء .. كما أن هناك مواصفات أخرى للشخصية التي يسهل وقوعها في حبائل المحتال. 
وأهم صفة تجمع المحتالين جميعا بلا استثناء هي "الكذب" فلا يوجد نصاب لا يعتمد على الكذب والتمويه وخلط الأمور والتدليس على الضحية. 
كما أن المحتالين جميعا يجتمعون في صفات أخرى مثل عدم احترام القانون أو الوفاء بالعهود والوعود ..
ويغيب لدى المحتال أي معنى للضمير أو لوم النفس فهو يتمتع بكل الأسلحة الدفاعية مثل التبرير والإنكار والإسقاط والتي تجعل كل أفعاله من وجهة نظره مبررة وجائزة مهما كانت فداحتها ومهما كان خروجها عن معايير الأخلاق والقيم الإنسانية والدينية ومهما كانت مدمرة لضحاياه.
كما أن النصاب نرجسي بطبعه .. معجب بذاته .. يعتبر أن ماله من مميزات يراها هو تعطيه الحق في الإستيلاء على حقوق الأخرين.. ولا يعدم الأسباب لذلك فهو الأذكى أو الأعرق أو الأقرب إلى السماء ... ألخ
يعرف النصاب جيداً نقاط ضعف الضحية ويعرف كيف يلعب على أوتار مشاعرها وكيف يمسك بمقودها .. وهو يجد ضالته في مجتمع يتفشى فيه الفقر والجهل .. ويعمه الفساد ويغيب فيه القانون .. فتختل فيه كل القيم وتضيع الحقوق. 
وكلما علا قدر المحتال وازداد اتباعه وصنع حوله شبكة من المنتفعين وأصحاب المصالح ..  كلما قويت شوكته وأصبح التضليل والكذب منهج متبع للتغطية على كل مساوءه وجرائمه في حق ضحاياه .. فما بالك لو كان بين يديه إعلام يبشر به ويجمل من صورته .. ما بالك لو كان الخداع يتم بإستخدام أشهر وأهم نقاط الضعف البشري والتي استغلها الطغاة لعصور وعصور منذ فجر التاريخ .. ألا وهي العلاقة بالسماء .. وبالرغم من انتفاء الوساطات بين العبد وربه في الإسلام .. وبالرغم من عدم إعطائه حصانة لأحد من الناس بخلاف الأنبياء والمرسلين من الخطأ .. إلا أن التعصب والتغييب والقهر الذي عانى منه البعض لعقود يجعلهم يرون في نموذج الشخص المتدين ظاهرياً الخلاص ويتبعونه بدون إعمال للعقل بل ويشاركونه جرائم التبرير وإضفاء القداسة على كل أقواله وأفعاله .. بل يكون من المذهل أن تتغير دفتهم من أقصى اليسار لأقصى اليمين بمجرد إشارة منه فيدافعون عن الأمر ونقيضه في ذات اللحظة!!  .. بل يصبح إعمال العقل عندها من باب الكفر بشريعة السماء .. ومن المذهل أن من يحتال باسم الدين يجد أتباع مخلصين على استعداد للإتيان بابشع الأفعال وأكثرها خروجا عن الشرائع ولا يجدي معه حديثاً أو بينة .. فهو محقون بعدوانية وكراهية وغضب شديد تجاه كل من ينتقد أفعال السيد المختار مبعوث السماء .. 
كارثة أن يصل هذا النوع من المحتالين إلى كرسي الحكم فهو يزكي نيران الكراهية ويصنع في المجتمع انقسامات دموية .. وخاصة في دولة مفككة غاب فيها العدل والقانون.

الأحد، 28 أكتوبر 2012

تحرش

عندما تختل المفاهيم وتزدوج المعايير في مجتمع بالكامل فلا نهاية يمكن توقعها لإنحداره .. يظل يسقط في هوة سحقية لا نهاية لها مفارقا كل ما يمت الى التحضر والأخلاقيات والقيم الانسانية بل والمنطق والفطرة السليمة بصلة .. هذا ما بدا جلياً مع متابعة قضية التحرش التي أصبحت تثار بشكل دائم مع قدوم الأعياد .. فأن يوجد تحرش في مجتمع يدعي التدين فهذه درجة من السقوط .. وأن يصبح التحرش ظاهرة فهذه درجة اخرى .. وأن يتم تبرير التحرش بكافة أشكال المبررات كالفقر والبطالة وتأخر سن الزواج فهذه درجة ثالثة من السقوط ..  أما أن يتم لوم الضحية وتوجيه أصابع الإتهام إليها مهما بلغت درجة احتشامها وجديتها واستقامتها لا بل وتجد بعض من يدّعون انتمائهم لتيارات دينية يوجهون الشباب لفعل ذلك بدعوى إجبار الفتيات على لزوم البيت أو الإلتزام بزي خاص فهذه كارثة .. أن لا يكون هناك تواجد أمني ومعالجة قانونية فعّالة وعقاب سريع ورادع لمرتكب هذا الفعل المختل المقزز فهذا هو السقوط بعينه .. أن لا يكون الفعل مرفوض ومجرم اجتماعياً فهذا خلل اجتماعي غير مسبوق .. فمن يقول بأن أسباب التحرش هي تأخر سن الزواج وعدم التزام الفتيات بالحجاب لم يشرح لنا كيف أن أطفال دون سن العاشرة يمارسون فعل التحرش وهم منتشين وسعداء معتقدين أنهم بهذا الفعل قد حققوا درجة من النضوج أو دخلوا في طور الرجولة مبكراً !! لم يفسر لنا لماذا يقوم بهذا الفعل بعض المتزوجين أو لماذا لا تسلم من هذا حتى من ترتدي أكثر الأردية احتشاماً وإخفاءً لمعالم الجسد !! .. وهذا المبرر غير مقبول بأي حال من الأحوال فالفقر لا يبرر السرقة .. والإعجاب بما يملكه غيرنا لا يبرر اعتدائنا على هذه الممتلكات بأي حال من الأحوال .. ولكن المجتمع الذي آعتاد أن يضخم أخطاء المرأة ويضعها تحت العدسات المكبرة ويلومها على كل قصور وكل مشكلة وكل خلل وكل فشل واجداً كافة المبررات للرجل لا بل ومهنئاً له على نفس الأفعال مهما كانت مشينة ومخجلة هو نفسه الذي يمكن أن تنتشر فيه مثل هذه الأفعال المريضة المفرطة في الإنحطاط دون أن يهتز أو يواجه نفسه بالخلل ويعمل على علاجه .. هذا المجتمع الذي آعتاد على أن يشير إلى عمل المرأة كسبب رئيسي للبطالة بدلاً من أن ينظر للأسباب الحقيقية من ركود وإهمال وعدم وجود مناخ اقتصادي صحي وسياسة اقتصادية سليمة تستوعب الأيدي العاملة بعمل مشاريع ضخمة وآستثمارات حقيقية وإنتاج له قيمة بعيداً عن التجارة والمضاربات واللإستثمار في مجال الاتصالات الذي لا يحقق إنتاج حقيقي على الأرض .. هو نفسه المجتمع المصاب بالإزدواجية المرضية والذي لا يتعدى التدين لديه المظاهر والقشور متغاضياً عن جوهره وروحه وأوامره بحفظ الحقوق وكف الأذى وغض البصر .. وفي النهاية بعض الإنضباط الذي يمكن أن تفرضه الدولة كفيل بالقضاء على هذه الظاهرة المخجلة .. فمن أولى حقوق المواطنة أن تكون أمن على نفسك ومالك وأن تجد من يقتص لك إذا ما آستحل أحدهم لنفسه الإعتداء على محيطك .. وإلا فإن أبواب الشر لن تغلق أبداً وكما هو حادث الأن سيضطر كل إنسان لتأمين نفسه والقصاص لنفسه بالشكل الذي يراه مناسباً .. وأعتقد أن غياب الأمن وضياع الحقوق كان أهم وأول أسباب الثورة .... 
مازال هذا السبب قائماً جلياً.

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

في نعي الثورة

ما أكثر المشاهد والتناقضات على الساحة المصرية والتي تدعو للعجب وتُثير عواصف من التساؤلات وأحياناً الضحكات المفرطة في السخرية أو المرارة .. بداية بالطريقة الحلزونية اللولبية التي تتعامل بها الحكومة مع كل القضايا العامة والمشكلات الشعبية القديمة والحديثة والأنيّة .. وكمثال تعاملهم مع رد فعل الشباب الثوري على إخفاء رسومات الجرافيتي التي توثق للثورة وتحفظ وجوه شهدائها وتنادي بالعدالة والقصاص واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تحفظ للشعب كرامته وحقوقه .. حيث حولوا المسألة لمجرد قضية فنية تعبيرية لشباب متفرغ يريد أن يخرج مخزونه الداخلي على الجدران دون الالتفات لمحتوى هذه الرسوم أو للمطالب الثورية التي ترمي إليها .. ومرورا بأمطار التكفير والتجهيل والتي تتساقط بكرم ووفرة وغزارة على أشخاص بعينهم وجهات محددة بحسب الطلب وبما تقتضيه المصلحة فبدأنا ولأول مرة نسمع عن "الحزب الكافر" و"الجريدة الكافرة" و "الدولة الكافرة" .. وتحريم الإنضمام لحزب بعينه والتصويت لشخص بعينه والذهاب لدولة بعينها!! .. بالرغم من النصوص الصريحة التي يحتويها القرآن الكريم والأحاديث النبوية والتي تأمر بعدم تحريم - أو تحليل - أمر أو شئ لم يرد نص صريح في تحريمه أو تحليله ابتغاء مصلحة شخصية .. والتحذير من تكفير الأخر ما لم يكن هناك أدلة قوية وظاهرة ولا تقبل الجدل على ذلك والا فالتكفير سيعود على من رمى به في البداية .. وليس أدل على أن ما يحرك هؤلاء هو المصلحة الخاصة والمصلحة الخاصة فقط من تكفيرهم لحزب يضم كل القوى الثورية بلا استثناء لم يصدر عنه ما يشير من قريب أو من بعيد لكونه ضد الأديان أو المعتقدات الدينية أياً كانت .. بينما لا يحظى بهذا "الشرف" أحزاب عريقة مبادئها تبتعد كثيراً عن الاتجاه الديني الذي يدعوا إليه المُكفّرون .. وليس أعجب من إتيانهم لما كانوا ينهون عنه في عهد مبارك بل وإيجاد كافة المبررات التي تدعم مثل هذه القرارات والأفعال وتحلل ما هو محرم بنصوص شرعية واضحة تحت بند مطاط جدا يدعونه "الضرورات تبيح المحظورات" .. لا أعرف من أين أتوا به فالضرورة التي يبيحها الدين هي ما يفصل بين الموت والحياة وليس شئ أخر .. فأحلوا لأنفسهم جميع ما حرموه سابقاً .. بداية من الانتخابات الديمقراطية .. لمشاركة المرأة في العمل السياسي .. للقروض الربوية .. وليس نهاية باتباع ما تقتضيه الدبلوماسية من تغيير في نوعية ملابسهم وقبولهم التسليم يدوياً على النساء الأجنبيات ومجالستهن وكلها أمور كانوا يجرمونها بشدة قبل الإنخراط في العمل السياسي .. وبعيداً عن كون ما يعتقدونه أو ما يفعلونه صواباً أو خطأ .. كيف نثق في أشخاص يغيرون مبادئهم ومعتقداتهم بهذه السهولة وهذا اليسر .. كيف تعتنق مثل هذا الفكر المطاطي الذي لا يخدم سوى مصلحتك من موقعك ووجهة نظرك وتدعي أنك وحدك الناطق باسم الشريعة .. كل ما يصدر منهم عنصري وطائفي ومتعصب يعزز الانشقاق ويثير الكراهية والنفور .. تمنيت حقاً أن نجد في اقوالكم أو أفعالكم تطبيق حقيقي لدين أو شرع فتسارعون للقصاص من القتلة ومحاسبة الفاسدين وناهبي المال العام بدلا من تكريمهم والإبقاء عليهم في مناصبهم .. ونفس هذا الخطاب المتعالي المنفر يثيره أتباعهم وموئيديهم على صفحات الانترنت وفي الفضائيات ولا يتورعون حتى عن القذف والسب والخوض في الأعراض وهي من الكبائر التي تستوجب اقامة الحد. الجميع أصبحوا من وجهة نظرهم أعداء وكفرة وأعداء للثورة .. الثورة التي احتالوا هم عليها وفرغوها من كل مطالبها واحلامها بالحرية والعدالة وأغرقوها في مستنقع من الخلافات العقيمة تاركين كل القضايا الهامة بلا علاج .. فمازال الفساد يسيطر على كل مفاصل الدولة .. مازال الفقر والقهر والمرض يقتل الأبرياء ويستنزف حياتهم .. غلاء .. بطالة .. انفلات أمني .. مازال الثوار في السجون محرم حتى على اللجان الطبية والحقوقية زيارتهم .. مازال الحد الأدنى والأقصى للأجور حلم بعيد المنال بالرغم من تأكيد الجهاز المركزي للمحاسبات على أن تطبيق الحد الأدنى بواقع 1200 جنيه والأقصى بستة وعشرين ضعف سيوفر للدولة 29.5 مليار جنيه سنوياً .. وأن 5800 موظف يتقاضون 50% من قيمة رواتب العاملين بالحكومة والقطاع العام والبالغ عددهم قرابة الخمسة ملايين!! 
مازال الشعب يقضي يومه في صراع مميت خلف الخبز والغاز ويحلم بكوب ماء نظيف .. ومازال الخطاب السلطوي كما كان دائماً يتحدث من كوكب أخر عن شعب مرفّه يتمتع بحرّية وكرامة ليس لهما وجود على أرض الواقع!

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

صرخات على الجدران

هي صرخات صامتة .. عرفتها كل الشعوب المضطهدة المقيدة .. الرازحة دائما وأبداً تحت يد القهر والقمع والطغيان .. رسومات على الجدران .. تجعل الحجر يصرخ ويأن .. بعد أن أصاب الصمم الأذان وقست القلوب وغابت العقول .. هي صفحات سجلت ملاحم كفاح شعوب وتاريخ حافل بالشهداء والضحايا .. رسوم عبرت الأسوار والحواجز "رسوم الجرافيتي".. حفظها الشعب وجعلها سجله الحافل عندما آستطاع بعزيمته أن يصنع التغيير الذي سعى إليه .. وعندما وجدت صرخاته صدى .. ويشهد عليها سور برلين الذي مازال يحفظ لشعب ألمانيا ملحمة كفاحه لتوحيد بلاده وإسقاط حاجز صنعته الحرب الباردة وأصحاب المصالح .. رسومات لم يخلو منها الجدار العازل المقام في الأراضي المحتلة .. وكانت لسان حال الثورة والثوار في مصر وتونس وغيرها من البلاد التي أرادت الخروج من قبضة القمع والقهر وأن يحيا شعبها كبشر ويعامل كبشر .. ولكن عندما يتم إحتواء الثورة وتلجيمها وتحجيمها وتسيير الأمور كلها في عكس اتجاهها .. يكون تكميم الأفواه أحد الوسائل الهامة للقضاء نهائياً عليها .. ويصبح محو هذه الرسوم الجدارية محو لأخر أثر يدل على أنه كانت هنا في يوم ما ثورة .. كلما تأملت في الحال في مصر وما ألت إليه الأمور أصاب بحالة من الاندهاش الشديد .. كيف سارت الأمور في هذا الطريق وانحدرت الى هذا الدرك .. كيف انطفأت الأمال العريضة في التغيير والارتقاء وسقطنا مرة أخرى في نفس الوحل بل زاد عليه ما هو أكثر من الماضي تراجعا وانهيارا .. لا شئ تغير فعليا .. نفس السياسات العقيمة .. نفس الأساليب القديمة .. نفس الخطاب الحكومي الفارغ البائس .. نفس مناهج التعامل مع المشكلات والإحتجاجات .. لا أعرف ما هو المطلوب فعليا واللازم عمله لنعامل كبشر ومواطنين في بلادنا .. متى يكون لدينا قانون قائم يحترمه الجميع ويطبق على الجميع بلا استثناء .. حتى الأن لم تتحقق فعلياً أيا من مطالب الثورة المهيضة وقد لا تتحقق أبداً إذا بقى الحال على ما هو عليه .. بل أن الأمور ازدادت سوءاً وأصبحت أفعال وقرارات من بيدهم الأمور ذات قداسة من يعترض عليها فكأنه يخالف أمر إلهي .. فمنافقي كل العصور لم يدخروا جهدا في إضفاء القداسة على أفعال الرئيس والحكومة ولم يتوانوا عن استخدام نفس أغنيات جوقة الرئيس السابق .. وسلاح المبررون يعمل بكامل طاقته لتبرير ما لا يمكن تبريره وبأساليب لا تقل غباء عن أساليب مبررين الحزب الوطني البائد .. وكما وجدوا الف مبرر لمذبحة كتب النبي دنيال .. سيجدوا ألف غيرهم لمحو جرافيتي محمد محمود وتغيير معالم ميدان التحرير تحت شعار التحديث والتجميل بالرغم من أن المشاركين في هذه الأعمال هم فنانين في غاية الروعة وما قدموه إبداع حقيقي يستحق الحفاظ عليه واحترامه ناهيك عن المعنى المتجسد فيه .. وكأن البلاد خلت من كل مظاهر القبح والتخلف .. فلا أطنان من القمامة ولا ملايين من أطفال الشوارع والمشردين ولا عشوائيات وقرى خارج حدود الزمان والمكان وغير معترف بها وبأهلها كبشر لهم الحق في العيش بكرامة .. فلم يبقى ليشوه الوجه الحضاري العظيم الذي يطل علينا غير أكشاك الكتب ورسومات الجرافيتي التي تعبر عن الثورة!!! ..  كل شئ بقى على حاله ولم يتغير غير عدد المغيبين والمبررين والمسحورين بالشعارات واللحى. 
أما أنتم يا شهداء الحرية والمبادئ فإن غابت وجوهكم من على الجدران كما غابت من قبل عن الحياة .. فهي لن تغيب عن عيوننا وقلوبنا .. وان كانت الوعود باعادة المحاكمات وفرض القانون قد ذهبت ادراج الريح فمازالت مطالب الثورة والعدالة حية في قلوب ثوار لم ولن ينسوا.. والمحاولات المستميتة لغلق كل قنوات التعبير لم تفلح سابقا ولن تفلح أبداً..

الجمعة، 25 مايو 2012

عن الانتخابات

ما أكثر الحُجج التي تدفعنا للاسراع في البدء بدون أساس سليم ودراسة جيدة، وتُزين لنا الطريق وترفع احتمالية نجاح مشروعنا بالنسبة لاحتمالات الفشل في اعيننا ، فنعتمد على الأمور الغير منطقية كالحظ والقدرة على علاج المشاكل التي ستنجم عن عدم التخطيط والترتيب وعدم وجود دراسة وافية وعدم توفير مقومات النجاح قبل المضي قدما وكأننا سنستطيع التعامل معها بحكمة وقت حدوثها وهذا بعيدا تماما عن الواقع والتجربة العملية. 

يتجلى هذا واضحا في انسياق الشعب المصري وراء انتخابات - وان بدت ديمقراطية - الا انها كانت محسومة سلفا ومعروف يقينا انها تحت كل الظروف لن تأتي بمرشح ثوري، واي انتخابات نزيهة تنتظر وقانون العزل يطبق على مرشح دون أخر بدون اسباب منطقية او مفهومة، وأي انتخابات نزيهة يمكن ان تقام في ظل تحصين غير شرعي لقرارات اللجنة العليا الانتخابات بحيث تكون اداة لفرض الأوضاع على الأرض مهما شابها من تزوير وتلاعب ورغم انف القانون والأحكام القضائية. 

وأي انتخابات نزيهة ننتظرها في ظل عدم الرقابة على الحد الأقصى للصرف بالنسبة للمرشحين فنطيح بمبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة لباقي المرشحين. 
أي انتخابات نزيهة تنتظر والنظام الذي قامت الثورة ضده يعمل بكامل طاقته وفي اماكنه لتثبيت دعائمه واعادة انتاج نفسه بصورة شرعية محمية بقوة السلاح وعلى استعداد للوصول الى مدى لا نهائي في التنكيل والقمع لاخراس من تسول له نفسه الرفض او يرتفع صوته.

تجاهل الجميع كل المؤشرات الواضحة ، تجاهلوا حتى التصريحات الاستفزازية والتصرفات الوقحة التي قام بها مرشح نظام مبارك والتهديدات العلنية التي اطلقها شمالا ويمينا عن قمع وابادة من تسول له نفسه الاعتراض على فوزه المعد له جيدا. 
العجيب ان الأصوات العاقلة والتي دائما ما تنبه للسير في الطريق الصحيح وتحاول تجنب الكارثة .. تُقابل بتيار جارف من الضجيج والصراخ المحمل بكافة اشكال الاتهامات والتصنيفات ، فلا تملك الا السكوت او الدفاع عن نفسها قدر ما تستطيع. 

كنت اتمنى ان تكون انتخابات الرئاسة بداية على طريق الاصلاح الذي حادت عنه مصر لعقود وعقود .. ولكنها اصبحت بكل اسف بداية لمرحلة اكثر ضبابية لن تخلو من الفوضى والقمع وتدفعنا اكثر في اتجاه المجهول. 

الثلاثاء، 3 أبريل 2012

عفوا لقد نفد رصيدكم

الثورة، زلزال يهز كل ما على الأرض من ثوابت، بركان يتغذي من الغضب والذل والألم والظلم والمعاناة، حتى اذا لما تعد قشرة الأرض قادرة على كبح جماحه، انطلــــق هائـــجا مدمـــــرا ما في طريقه.
 عرفنا الثورة بحرارتها وعنفوانها ورأينا كيف تم التعامل معها حتى خبا لهيبها أو كاد، وكما انكشف لنا حجم الفساد وتعقيداته وتشابك مسارات المستفيدين منه، وكما عرفنا حجم ما تم نهبه واهداره من اموال وثروات شعب بائس يصارع ليعبر يومه وهو مازال على قيد الحياة، انكشفت لنا أيضا خامات ومعادن الكثير من الشخصيات والفئات والجماعات على الساحة ، وانهارت الكثير من المعتقدات والثوابت الراسخة التي عشنا في اوهامها سنوات وسنوات، عن معارضين كان معارضتهم لخدمة الشكل الديمقراطي للنظام وبدعمه، صيحاتهم لا تتعدى المدى المطلوب منهم، يؤدون ادوارهم وينالون جزائهم ولا يتخطون الخطوط الحمراء.

 وأنكشف لنا نوع من المجاهدين الذين حوربوا لسنوات ولاقوا الأمرين في المعتقلات ودفعوا ثمن مواقفهم من سنوات عمرهم واموالهم، وظلوا يمتنون على الشعب بما لاقوه من النظم الديكتاتورية المتوالية في رحلة كفاحهم، ويعدوننا أنهم اذا تولوا الأمر ليقيمون العدل ويهدمون دولة الباطل، حتى واتتهم الفرصة واصبح من كان بيده السلطة العليا "حزب منحل" ومن كان "محظورا" بيده السلطة.

 فماذا كانت النتيجة؟

أكاد أقسم أنها لعنة ما في الكرسي تصيب الجالس عليه بنشوة مرضية تلهيه عن المبادئ والقيم وتنسيه الحقوق والواجبات فلا يعد يرى غير سطوة المنصب ولا يعرف غير لغة المصلحة.

يلح علي سؤال هنا .. لكم أيها المجاهدون: هل جهادكم كان يوما للحق والعدل واعلاء كلمة الدين ؟ أم أن الأمر لم يتعدى يوما كونه صراع رخيص على السلطة والمصالح الخاصة ومحاولة الحصول على اكبر قدر من المكتسبات!

 هل تؤمنون حقا بأن المناصب هي لخدمة الشعب والدولة أم تعتقدون أنه لا حق ولا ذمة الا لمن كان منتسبا للجماعة، وأن السلطة يجب ان تكون مطلقة لكم تُسيٌرونها كما تُسيٌرون جماعتكم ، على طريقة "لا تجادل ولا تناقش" ولا تخالف رأي الجماعة والقائمين عليها وإلا ستطرد من رحمتهم ويطرد من يواليك أو يظهر لك المودة.

 كيف يستقيم انتسابكم للدين مع الكذب والخداع وموالاة الظالم والسكوت عن الحقوق، كيف يستقيم مع القذف ورمي الناس بالباطل واخراجهم حتى من دينهم اذا لم يوافقوا على سياستكم المخلخلة المتناقضة القائمة على ردود الفعل والمساومات؟

الحديث الأن عن تاريخكم ضد الأنظمة الديكتاتورية لم يعد ذات معنى فهو كان للجماعة ولصالح الجماعة وليس لكم ان تمنون علينا به اليوم أو تنتظرون من الشعب المهدر الحقوق أن يرد لكم الجميل.

 لقد قدم الشعب لكم السلطة على طبق من ذهب فأدرتم له ظهوركم في أول فرصة وأنقلبتم عليه ولا أعتقد أن صبره عليكم سيطول أو سيترك لكم الفرصة للتغلغل أكثر من ذلك في السلطة ويسمح لرجلكم الذي نال عفو ورضا العسكر بتولي مقعد الرئاسة، فنجد أنفسنا وقد دفعنا ثمنا غاليا للتخلص من زواج المال بالسلطة ووقعنا في علاقة من نوع جديد يمتزج فيها السلطة بالمال بالدين، ويُشبٌه فيها الزعماء بالرسل والأنبياء بعد أن كانوا يُشبٌهون بالأباء. 

الشعب وحتى اليوم لم يرى فيكم الا استنساخ للنظام السابق بلا أي تغيير إيجابي يذكر، بل أن التسلط والديكتاتورية اصبحت تمارس باسم الدين ومن يعترض عليه ان يتلقى في صدره سهام التكفير والتخوين.

استمعوا الى صوت العقل والحق، وأنصتوا حتى لمن كانوا منكم يوما وتركوكم يأسا وحزنا،  وراجعوا أنفسكم قبل فوات الأوان.

الأحد، 25 مارس 2012

مسرحيات هابطة

العلاقة بين اهل السياسة وأهل الفن التمثيلي والترفيهي علاقة قديمة ومعروفة، وكثيرا ما تكشف الاحداث عن قصص وحكايات لزيجات وارتباطات تمت او تتم بين هؤلاء وهؤلاء حتى لم يعد الأمر مستغربا أو مثيرا للانتباه، وليس مستغربا أن تحاول احدى الفنانات التي انحسرت عنها الأضواء وخفُت نجمها آستخدام ما لديها من أسرار وعلاقات سابقة لضمان عيش حياة كريمة تتجنب فيها الفاقة والعوز، وليس مستغربا أيضا ان تتعرض بعضهن لحوادث اعتداء قد تصل حد التصفية الجسدية اذا خرجت عن النطاق وقررت تحدي من بيدهم السلطة.

ليس مستغربا - وان كان مثيرا للسخرية- أن تدعٌم بعض الفنانات المشتهرات بأدوار الاثارة التيار الاسلامي او تعلن إحداهن آنتمائها لأحد جماعات الاسلام السياسي سرا خوفا من بطش النظام السابق بعد أن أصبح هؤلاء أغلبية برلمانية، أو تقوم راقصة بالإعلان عن طلبها الانفصال عن زوجها النائب السلفي صاحب أشهر أنف في التاريخ الحديث.

فالسياسة في هذا العصر أصبحت غير بعيدة عن كونها احد انواع الفن التمثيلي، وكما أن الفن التمثيلي فيه الراقي والهابط والمسف، ففنون السياسة أيضا فيها ما هو راقي وهابط ومسف.

وليس أشد إسفافا من مسرحية المعونة التي تم تمثيلها بشكل غير احترافي ولا محبوك وشارك فيها عدد لا بأس به من دعائم نظام مبارك الذين ثبتوا أقدامهم وعادوا يطلون علينا بوجوههم الممقوتة والمعروفه بتبعيتها الكاملة للإدارة الأمريكية، رافعين سيوفهم الخشبية منادين بوقف المعونات والاستقلال التام عن أمريكا، ثم يستعينون بأحد دعائم نظامهم الذي مازال قائما وهو رجل الدين الأكثر قبولا ونجم الفضائيات الذي وضعوه فوق النقد وجعلوا مناقشته أو سؤاله جريمة لا تغتفر في حق الشرع والدين قد تخرجك من دينك وتنفي عنك إيمانك.

وفجأة وفي ذروة انهماك الأبطال بأداء أدوارهم أُسدل الستار وسكتت الأصوات وأنصرف الممثلين والمخرج وباقي طاقم العمل تاركين المتفرجين في حالة من الذهول لا يدرون ما الذي حدث فعليا خلف الكواليس وأين من كانوا يملئون الدنيا صراخا منذ لحظات!

ولأن التمثيل شعار المرحلة، ولا يجب أن يظل المسرح فارغاً لوقت طويل حتى لا يستيقظ النائم ويفيق المذهول، بسرعة البرق أعتلى خشبة المسرح ممثلون أخرون وبدأوا في مسرحية جديدة، أبطالها هذه المرة هم من خانوا مبادئ الثورة وأعتلوا كراسيهم فوق جثث ضحاياها وشهداؤها ، وخالفوا على طول الخط كل ما طالبت به القوى الثورية وقبعوا مع النظام الفاسد في خندق واحد لم يجرؤوا على الاشارة بإصبع لهم حتى في اقسى وأفدح الجرائم والانتهاكات التي تمت ضد الشعب وضد الثوار، فكل شئ كان لديهم مبررا وكل شئ يهون في سبيل الكرسي.

هذا الكرسي المزعزع الذي اصبحوا وأمسوا مهددين بالسقوط من عليه في أي لحظة بل أنهم يعلمون تمام العلم أنه لا قيمة له ولا فائدة ولا يسمح لهم باتخاذ أي قرار لا يرضي سادتهم أو مناقشة أمور خارج النص المُعطى لهم.  

هؤلاء الذين أيدوا حكومة الجنزوري بالرغم من الرفض الشعبي لها وانتمائها بالكامل لنظام مبارك، هؤلاء الذين اضفوا الشرعية على كل القرارات المعيبة والتي تخالف الصالح العام، قاموا فجأة – وعلى غرار مسرحية المعونة – بإعلان الحرب على الحكومة والمجلس وهددوا بالتصعيد والثورة والحشد الشعبي ما لم يتم الاستجابة لهم واقالة الحكومة الحالية ليقوموا بتشكيل الحكومة بكوادرهم المنتمية لجماعتهم.

وينتظرون الأن من الشارع الدعم والمؤازرة !!

 لقد فقدتم ثقة الشارع ولم يعد لكم وجود في حساباته، فانتمائكم الأول والأخير للجماعة ومصلحة الجماعة. أما نحن فقد سئمنا من المسرحيات والادعاءات ولم يعد لدينا طاقة على تحمل المزيد من العبث والأكاذيب، ولا نحسب الا أن الأمر لا يتعدى مسرحية جديدة للمزيد من المساوامات والإتفاقات على شعب يقضي بعض أفراده نحبه في سبيل رغيف من الخبز أو انبوبة غاز.

الأربعاء، 25 يناير 2012

خواطر

بين اليأس والرجاء تقع مساحة واسعة من التاريخ الانساني ونقضي زمنا طويلا من اعمارنا، نتأرجح بين أماني نحلم بالحصول عليها واماكن نهفو للوصول اليها، احلام قد تكون متناهية في البساطة أو بحجم الجبال الرواسي، احلام قد نقضي العمر في تتبعها تدفعنا طاقة من الأمل والرجاء، واخرى يقضي عليها اليأس والضجر.

يتسرب اليأس والاحباط لنفوسنا كمادة لزجة باردة تطرد الضوء من النفوس، تجعل كل شئ لا معنى له ولا أهمية، يتساوى الوجود والغياب، يتساوى الليل والنهار، الأمس والغد، وكأننا في منطقة خارج حدود الزمان والمكان منعزلة عن باقي البشر، شعور يجعل حتى من الحياة والموت سواء.

عندما يطاردك اليأس وتشعر بنفحاته الباردة على وجهك يجب أن تنتبه وتراجع حياتك وتنظر لما بين يديك، ترسم اماني جديدة تستحق ان تحيا من أجلها ، تبحث عن نور الشمس ودفئها وحرارتها لتغمرك ولو كانت غائبة فلتحيا على أمل ان تنقشع عنها الغيوم وتتمكن أشعتها من التسلل اليك لتؤنس وحدتك وتبدد ظلمات نفسك.

الاستسلام يعني النهاية، فمهما كانت الصعوبات ومهما كان عدد اليائسين والمستسلمين حولك، يجب أن تتحلى بإيمانك وعزيمتك، وقد يجعل ذلك منك مصدر الهام لغيرك فكما أن اليأس معدي فالأمل ايضا قد يكون كذلك.

الجمعة، 6 يناير 2012

في سبيل الكرسي

عندما يطول بقاء انسان في السلطة، ويجد نفسه محاطا بجوقة من المنتفعين والمتملقين يزينون له سوء عمله فيراه حسنا، ويمتلك كل وسائل التأثير والقوة من اعلام وجند مسلحين مسخرين لخدمته وحمايته هو ومن سار في ركبه، يكون من المفهوم والمنطقي ما يطرأ على تركيبته النفسية ومبادئه من تغيرات، في حالة كان يملك مبادئ ونفس قويمة من حيث المبتدأ. 

ولكن ما ليس مفهوما بالمرة ويجعلنا نتوقف كثيرا عنده ، أن يصاب بأعراض تغير المبادئ واختلال القيم والأولويات أشخاص مشهود لهم بالصلاح قضوا عمرهم في كفاح مستميت ضد الظلم وعانوا من التسلط والقهر لعقود، لمجرد أن لاح لهم في الأفق بريق مقاعد السلطة فينسون ماذا جاء بهم الى هنا ومن الذي دفعهم وأوصلهم ليكونون على هذه المسافة الدنيا من الكرسي الملعون. 

فنجد الوعود والعهود قد أُخلفت، وبدأت السرية تحيط بأفعالهم فتغيب الشفافية ويصبح هناك جدار بينهم وبين عامة الشعب الذي دفعهم لثقته بهم واعتقاده في جدارتهم وقوة ايمانهم بمبادئهم، ويبدأون في استخدام اسلحة التبرير والتخويف والمماطلة والممالئة، فيتحولون لنسخة مطابقة لمن كانوا بالأمس ألد أعدائهم والذين كانوا يعيبون عليهم افعال اصبحوا يقترفونها هم مستخدمين كل الحجج والذرائع لتبريرها متخطين في مسيرتهم نحو الكرسي الحقوق والواجبات وحتى النصوص الشرعية التي نصبوا أنفسهم حماة عليها ورعاة لها. 

كثيرا من الأسماء اللامعة ذات الشعبية الطاغية سقطت في فخ الكرسي الملعون، وقليلا هم من نجوا من زيفه وخداعه وخرجوا منه كما دخلوه. 

وقد شهدت الشهور التي تلت الثورة في مصر سقوطاً مدوي لسلسة من الأسماء التي لطالما حازت على درجة من الرضى والقبول لدى الشعب. 

فالإختبار الحقيقي للرجل يكون بتوليته سُلطة لمعرفة هل سيطبٌق عمليا ما يعتنقه من مبادئ وقناعات عندما تتاح له الفرصة لذلك، أم أنه سيضرب بمبادئه عرض الحائط ويلهث مع اللاهثين مضيعا تاريخه وأمانته ونفسه. 

حتى الأن ....... لم ينجح أحد في اجتياز الاختبار، البعض سقط سقوطا مدويا، والبعض قدم درجة من التنازل والبعض مازال محتفظا بمبادئه ولكنه بعيدا جدا عن الكرسي.

لن تنجح الثورة الا عندما يعتلي المناصب أشخاص لا يعرفون المساومات، ولائهم الأول للمبادئ ويعملون لصالح الشعب الذي حملهم لمقاعدهم. 

الثلاثاء، 3 يناير 2012

مستغرقون في التعاسة

لا تخلو حياة أحد منا من الألام والأحزان والتجارب المؤلمة، فالأحزان لا تعرف طبقات ولا تقف عند المستوى العقلي أو البيئي للفرد.

ولكن ما يصنع الفارق دائما هو أسلوب تعامل كلا منا مع احزانه وهمومه وما تعرض له في رحلة حياته من صدمات، فالبعض تتوقف حياته عند لحظات الفقد ويعيش في الماضي، يبحث عن كل ما يذكره بما كانت عليه حياته أيام سعادته وقبل أن تتقلٌب عليه الأيام والأحوال.

 البعض يعيش همه وكأنه صديقه الوحيد في الحياة فيلجأ الى كل ما يجسد مشاعره  فتجد الحزن يسكن منه الملامح ولون الملابس يختار من الموسيقى اكثرها شجناً ومن الكلمات ما يثير مشاعره ويعيده الى لحظات الألم مرارا وتكرارا وكأنه استعذب الحزن وصادقه ووجد فيه نفسه.

البعض الأخر يصنع لنفسه درعا من اللامبالاة، أو يسخر من كل شئ حتى من نفسه فتخرج صرخاته مختفية بين ترددات قهقهاته دون أن يلاحظ أحد.

والبعض يكره الأحزان ولا يطيق أن تستحوذ عليه هذه المشاعر السلبية لفترة طويلة، فيتعامل مع مشاكله ولا يتوقف كثيرا عند ما فقد فالحياة مستمرة والموج عالي والتوقف يعني النهاية. 

التغلب على الأحزان والمواقف الصعبة يتطلب الكثير من الشجاعة والوعي، أن نعرف جيدا اين وصلنا وما الذي وصل بنا الى هذه النقطة، ما الذي يمكن فعليا اصلاحه وتداركه، وما الذي يجب عبوره وغلق صفحته الى الأبد.

وفوق ذلك أن نستعين بكل طاقة ايجابية تمثل دافعا للخروج من دائرة الحزن، طاقة الايمان بالله وبأنه معنا يعين من يلجأ اليه، فيجد لديه الراحة وهدوء النفس.

ممارسة الرياضة والتي تستهلك الكثير من مشاعر الغضب والألم والحزن وتعطينا درجة من الرضا عن الذات والشعور بالقوة والحيوية، فبالاضافة لكون ممارسة الرياضة تعدل من افراز المخ لمواد هامة مثل السيراتونين والذي له تأثير هام في تنظيم دورات النوم واليقظة ويؤثر على الشهية والمزاج، تقوم الرياضة أيضا بتنشط المخ وتحسٌن من أدائه بصفة عامة، وبعض الأبحاث الحديثة تشير لأن تأثيرها قد يعادل تأثير بعض العقاقير المضادة للإكتئاب.

الاندماج في نشاط ذهني يتناسب مع ميولنا واهتماماتنا ويمثل لنا نوعا من الشغف يجعل التفكير فيه والعمل عليه لا يترك لنا الكثير من الوقت لإعادة التفكير فيما مضى.

وأخيرا أن ندخل الألوان الى حياتنا ونهتم بلمسات الجمال نزين بها ما حولنا ولتكن نغماتنا مشرقة مرحة متفائلة فحياتنا أقصر مما نتصور.

الأحد، 1 يناير 2012

تأملات في عام جديد

تدور الأرض في مسارها، بثبات وأستمرارية، وتتوهج الشمس بنارها وترسل ضيائها، تتناغمان مع ملايين الأجرام التي تسبح في الفضاء منذ الأزل، لا تعرف حسابات البشر الصغيرة، ولا تتوقف عند أيام وأعوام. 

بينما يعيش البشر بالأمل، يترقبون دائما البدايات الجديدة علٌهم يستطيعون تحقيق امنياتهم وأحلامهم وتصحيح أخطائهم والانسلاخ من الألام والأحزان التي عانوها على مدار العام، فالأيام في حياة البشر والأعوام محدودة مهما طالت بمقاييسهم ولا تساوي شيئا بمقاييس الكون الممتد بلا نهاية ولا بداية معروفة في الزمان والمكان. 
نحسِب الأعوام ونقيمها بما مر فيها من أحداث، وبحجم المكاسب والخسائر التي تحققت فيها سواء على المستوى الشخصي او الوطني والعالمي. 

ولا أعتقد ان هناك عام مر في حياتي حمل هذا الكم من الفواجع والأحداث والألام على كافة المستويات وفي أنحاء الأرض، لم تتوقف الكوارث والأحداث الساخنة وحتى أخر يوم فيه، فقد كان ختامه إعصار "ثان" في الهند وفيضانات في ثايلاند.
كان هناك شعور عام بالارتياح لانتهاء هذا العام الغريب الإستثنائي "أو نرجو أن يكون كذلك" ، فانتهاءه حمل لنا بعض الأمل الزائف في انتهاء ما فيه من مأسي وأحداث دامية، كانت الاحتفالات بالأمس في أرجاء العالم ضخمة ومتميزة وكأنها وداعا لكل ما مثٌله هذا العام. 

وأشرقت الشمس لتعلن صباحا جديدا وفي حساباتنا عاما جديدا، تفتحت أعيينا فإذا كل شئ كما كان، مازال البشر يعانون، لم تختفي المشكلات لم ترحل مع العام الراحل. 

ولكن .. مازلنا نأمل أن يحمل لنا العام الجديد الخير، وأن يكتب لنا الله فيه حياة أفضل وألام أقل!