الخميس، 5 مايو 2011

السباق الأخير

سنوات طويلة هي سنوات الصراع الأفريقي، وملايين هم من قضوا نحبهم أو تم تشريدهم كنتيجة حتمية لهذا الصراع الدموي ، وكأن القارة السوداء وسكانها على موعد مع الشقاء والتعاسة فلا يكفي ما يعانونه من فقر وجدب وسنوات جفاف حتى أشتعلت العديد من الصراعات في جنبات القارة بداية بجروح السودان النازفة في الجنوب وفي دارفور والتي لم ولن يحلها الإنفصال بشكل جذري وإنما قد يفاقم الحالة ويزيدها سوء بوجود طرفين على أهبة الإستعداد دائما لإشعال حرب جديدة، والصراعات الأثيوبية - الإريترية والصراعات بين بوروندي وأنجولا  والصراعات بين ليبيريا والصومال والمذابح الرواندية البشعة التي صنعها الخلاف الإثني بين قبيلتي الهوتو والتوتسي ، والصراعات النيجيرية ، تحير الباحثين عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الصراعات التي لا تنتهي ولا تهدأ فالبعض يعزي ذلك للإثنيات المتعددة التي ينحدر منها القبائل والعائلات في أفريقيا والبعض يعزوها للصراعات الطائفية والدينية والبعض يرجع ذلك للفقر ونقص الموارد والذي جعل الكثير من الصراعات تقوم على محاولة السيطرة على المناطق والأقاليم الغنية والتي تتمتع بوجود ثروات طبيعية من المواد الخام أو الثروات الحيوانية أو الأراضي الخصبة والموارد المائية. لا ينكر أحد أن العوامل الإقتصادية والفقر قد تكون أهم عوامل الصراع فهي صراع على البقاء وهذا النوع من الصراعات هو الأكثر دموية على الإطلاق، فهل القارة الأفريقية هي بالفعل فقيرة في الموارد لدرجة أن يموت فيها البشر جوعا وفقرا ومرضا ؟
أفريقيا تنتج 78% من المنتج العالمي من الألماس وتملك حوالي 27% من الإحتياطي العالمي من الحديد 72.5 % من إنتاج الذهب العالمي، تضم دول من أكثر الدول إنتاجا للبترول في العالم منها نيجيريا وليبيا والجابون والجزائر والصومال، أفريقيا غنية باليورانيوم والنحاس والقصدير والبلاتين، أفريقيا لديها ثروة من الأحجار الكريمة الأروع والأكثر تفردا على وجه الأرض من عقيق وزبرجد وفيروز ، في أفريقيا تتمتع دولة مثل السودان بمساحات شاسعة من الأراضي الخصبة ولديها ثروة حيوانية تحتاج للرعاية والتنمية ، أفريقيا لديها مساحات فريدة من الغابات الإستوائية وهناك العديد من الثروات الظاهرة والمخفية تجعل من غير المنطقي وصول القارة الأفريقية لهذه الحالة المأساوية من الفقر والجهل والمرض والصراعات التي تصل حد الإبادة الجماعية ، ولكن إذا نظرنا للحكومات المهيمنة على الدول الأفريقية وحجم ما أستشرى فيها من فساد ، وإذا بحثنا عن المستفيد الحقيقي من الثروات والخامات الأفريقية والذي يستنفد ثرواتهم مقابل توريد أسلحته لهم والتي يفنون بها بعضهم البعض سيصبح كل شئ فجأه مفهوم ومنطقي بل أن الأمر يصبح  نموذج عن مدى الإنهيار الذي قد تصل إليه دول الشرق الأوسط إذا سارت على نفس النهج - وهي وحتى الأن تسير بالفعل - فنفس الوسائل التي أتبعها الإستعمار الغربي في أفريقيا تستخدم في دول الشرق الأوسط . فساد حكومات ونهب منظم يؤدي بالضرورة لتفشي البطالة وأنتشار الفقر ومع تأجيج الصراعات الطائفية والعرقية تتحول المطالب المشروعة في الحياة والوجود لحرب تهدف لإبادة الأخر وإخراجه من حيز الوجود بينما يستمر نزيف الثروات الطبيعية في الخروج لخدمة السيد الغربي ويستمر أصحاب الثروات في الإعتماد على ما ينتجه هذا السيد ويجود به من حين لأخر نظير الولاء والتبعيه، بل أنه كتب على هذه البلاد المبتلاه أن تعاني أيضا من نتاج التلوث الناتج عن الصناعات الثقيلة التي تساهم في تقوية شوكة الغرب وتزيد في عزتهم وهيمنتهم فهذا التلوث والذي ساهم كثيرا في الإحترار العالمي سيؤثر بشكل كبير على ملايين البشر وخاصة الذين يعيشون على السواحل وهم يمثلون نسبة كبيرة من البشر تقدر بحوالي 10% من إجمالي سكان الكوكب فمستوى سطح البحر في إرتفاع مستمر والأعاصير المدارية إزدادت قوة والتربة تفقد رطوبتها بفعل الحرارة والجليد يذوب في الأقطاب والتقديرات الحالية تؤكد أن الكثير من المناطق الأفريقية تعاني من الجفاف مما يضطر الكثير من السكان للنزوح لمناطق أخرى فيصبح هؤلاء في حالة فرار دائم من عدو قد يكون الجفاف وقد يكون الصراعات المسلحة .
وكأن هؤلاء تم تغييبهم ودفعهم إلى سباق نحو الفناء ، متى يستفيق هؤلاء المغيبون ويدركون أن الحل السحري هو في شيئين "محاربة الفساد" و "التنمية" فالموارد تكفي الجميع ولكن أن نعرف كيف نديرها هذا هو الذي سيحدد مصيرنا على هذا الكوكب الذي لاقى أهوال في مئة عام أكثر مما لاقى في تاريخه الحافل الموغل في القدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق