الجمعة، 29 أبريل 2011

الرئيس المزمن

عندما يصاب الجسد بأحد الأمراض المزمنة ، تتغير الكثير من الأشياء فهي أمراض تتسلل للجسد تضعفه وتنهكه وتعوق الإنسان عن ممارسة حياته بالشكل المعتاد ويصبح المريض مضطرا للتوائم مع المرض ومتابعة تطوره وتقدمه ، ومعظم الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط وأمراض القلب كلما طال بها الزمن كلما تأثرت بها أعضاء الجسم المختلفه وتطورت حالة المرض وحتى تؤدي في النهاية مع المضاعفات العديدة للموت. وتقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الوفيات بتأثير الأمراض المزمنة بحوالي 60% من النسبة الكلية للوفيات سنويا.
فبكم يا ترى تقدر نسبة القتلى والجرحى من ضحايا الرؤساء المزمنين والذين أبتليت بهم بلادنا العربية وأصبحوا تماما كما المرض المزمن يصيبون الدولة بالضعف والوهن ويبسطون ظلالهم على حياة البسطاء والكادحين فيزيدونها رهقا وألما ويصعبون عليهم حياتهم؟ فكما تسوء حالة المريض بطول بقاء المرض المزمن ويستحيل علاج تأثيراته المرضية كلما تقدم به الزمن فكذلك يكون الحاكم المزمن كلما طال بقاءه زادت حالة البلاد سوءً وأصبح من الصعب التخلص منه ومن تأثيراته المميته على البلاد والعباد ، فزين العابدين بن علي والذي أصاب تونس لثلاثة وعشرين عاما راح ضحيته 219 شخص هم شهداء ثورة الياسمين - والعهده على مجلس حقوق الإنسان - لا يشمل ذلك ضحاياه في المنفى وفي المعتقلات وغير ذلك ممن سحقت أحلامهم وتضررت حياتهم بسبب الفساد الذي أستشرى وكما هو الحال مع  البو عزيزي والذي أطلق إنتحاره حرقا شرارة الثورة . وكان رحيل بن علي التاريخي الغير مسبوق في 14 يناير من العام الجاري.
تلاه رئيس مزمن أطول عمرا وأكثر مكوثا في كرسي الرئاسة وتأثيره المرضي أصاب اعضاء ومفاصل الدولة في مقتل فأنتشر الفساد بشكل غير مسبوق وضعفت مناعة الدولة فأنتشر في جسدها الطفيليات التي أمتصت خيراتها ولم يبقى لأبنائها إلا الثورة فخرجوا غير عابئين بالموت وبأجهزته القمعية التي طالما سامتهم سوء العذاب وكان وجه الثورة فيها هو خالد سعيد أحد ضحايا التعذيب والذي لم يكن عليه حساب أو رقابه في ظل قانون الطوارئ . تمكنت الثورة المصرية المجيدة من خلع الرئيس المزمن حسني مبارك والذي بقى في كرسي الحكم لثلاثين عاما وأوشك أن يورث الجسد المريض لإبنه لولا أن تداركت عناية الله أهل مصر، وقدرت أعداد شهداء الثورة في مصر وحسب تقرير إتحاد الأطباء العرب قرابة الألف شهيد وقرابة الستة ألاف جريح بالطبع لم يكونوا وحدهم ضحايا الرئيس المزمن فقد سبقهم ألاف مؤلفه من ضحايا الفساد والإفقار المتعمد في العبارات والقطارات وقوارب الموت وحوادث الطرق وضحايا المسرطنات وسوء التغذية ونقص الرعاية الصحية ... وجرائم لا تعد ولا تحصى في حق مصر وشعبها حتى تمكن الشعب من خلعه أخيرا في 11 فبراير من العام الجاري ومازالت مصر في دور النقاهة والذي يحتاج الكثير من الإنتباه والرعاية والإهتمام.
ثم يأتي دور رئيس أخر أصاب بلاده لثلاثة وثلاثين عاما جعلها نموذج للفقر والمعاناة وأستخدم مع شعبه كل وسائل المماطلة ولعب بكل الأوراق محاولا إطالة فترة بقاءه ومكوثه على كرسي الحكم ولم يمانع في قتل وإصابة أعداد كبيرة وحتى ضرب المتظاهرين بكل الأسلحة القمعية المعروفة والمجهولة ، المسموحة والممنوعة ، وهو لا يمانع في إثارة حرب أهلية أو تقسيم بلاده فما يهم هو فقط بقاءه وحماية مصالح أبناءه وأتباعه، ومازال الشعب اليمني يحاول أن يعالج مرضه المزمن ويصرخ كل ساعة وكل يوم "إرحل يا علي" عسى أن يستجيب قريبا ويفهم ويترك اليمن يلملم جراحه ويعوض ما فاته.
وأخيرا نصل للمرض في مراحله المتقدمه المستعصية على العلاج والذي أستمر بقاءه لأكثر من أربعين عاما حيث يكون قد توغل وتمكن من جسد الدولة بدرجه تجعله يصر على البقاء وحتى هلاك هذا الجسد الذي تسبب هو في إمراضه ، هو على أستعداد لإستخدام أقصى درجات القوة وحتى الإبادة الجماعية دون أن يهتز له جفن، أصبحت الصورة دموية بشكل غير معقول وغير إنساني في ليبيا والتي أصابها الرئيس المزمن من أكثر من إثنين وأربعين سنة ولم يقبل أن يطالب الشعب وبعد كل هذه السنوات بحريته وحقوقه فلم يتورع عن قصف المدن والمدنيين ليلا ونهارا بالأسلحة الثقيلة ، وأصاب بلاده بالدمار الشامل ومازال مصرا على البقاء وحتى أخر ليبي ، والصورة لا تختلف كثيرا في سوريا والتي أنتقل فيها الحكم وراثيا ليبقى أصحاب المصالح في كراسيهم وليتم قهر وقمع كل من تسول له نفسه لرفع رأسه أو المطالبه بحقوقه الأدمية فالمرض ليس فقط مزمن ولكنه مزمن وراثي.
لم يبقى إلا أن نتمنى لبلادنا التي مازالت تعاني من مرض الرئيس المزمن بالشفاء العاجل دون إراقة المزيد من الدماء.

هناك تعليق واحد:

  1. أحب أن أضيف شيئاً وهو أن الأمراض إذا انتشرت فلابد من أن الجسم سيجد مناعةً تقيه من اعراض تلك الأمراض في وقت ما مهما طال الزمن وهو ما حدث على مر العصور

    ردحذف