الجمعة، 1 أبريل 2011

متعصبون

التعصب بذرة تزرع في الطفل الصغير منذ نعومة أظفاره تنمو معه ويسقيها الأهل كل يوم وكل لحظة، فالأباء يشكلون للطفل إنتماءاته وشخصيته ويفتحون عينيه على أن الولاء للمجموعة هو الخلاص وهو القوة وهو ما يصنع كيانه.
وقد حرصت الشرائع والمواثيق الدولية الحديثة ومن قبلها الأديان السماوية على التأكيد على مساواة البشر في الحقوق بدون النظر للفروق الفردية التي تميزهم وكان هذا من أهم بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة. 

وتنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن:
  • لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.
وبالرغم من هذا البند الإنساني الرائع الذي لغى كافة أشكال التمييز وبالرغم من التطور التكنولوجي الحادث والذي قرب كثيرا بين البشر وجعل جميع بقاع الأرض من أقصاها إلى أدناها تحت اصابعك يمكنك أن تعرف بسهولة شديدة ما يحدث في أي مكان لحظة حدوثه وأنت مكانك ، إلا أن ذلك لم يزيل الحواجز النفسية ولم يمنع تضخم شبح التعصب والطائفية والذي يفرض نفسه على مسار الأحداث بدرجة غير مسبوقة، ما الذي جعل أشباح التعصب والطائفية تسيطر على نفوس البشر وتتضخم بهذا الشكل المرعب وخاصة في منطقتنا العربية؟
ما الذي يغذي هذه النزعــات ويقويــها ومن المسـتفيد مما تحدثه من تصارع وتخريب؟ 
عندما تُجري حوار مع فئة من الناس أو طائفة تحمل نوع من الرفض القوي تجاه طائفة أخرى تجد في الأسباب التي صنعت هذه الكراهية والمواقف المتعصبة الكثير من الأكاذيب والتهويل والأفكار المغلوطة، كما أنها تلجأ للتعميم بشكل غير موضوعي فمن غير الممكن أن يكون أفراد طائفة بالكامل يحملون نفس الأفكار والمعتقدات بنفس الدرجة بلا تمييز ولا يكفي أن تنتمي لدولة أو ديانة أو طائفة ليعمم عليك أحكام جاهزة غير قابلة للنقاش ولا تتاح لك الفرصة للدفاع عن نفسك وأفكارك ووجودك وحقك الإنساني المشروع في إعتناق ما شاء لك من أفكار طالما أنت لم تتسبب في أذى للأخرين،   كما أن التعصب يبعد الإنسان عن التفكير المنطقي ويخرجه من قالبه المتحضر الراقي ويعيده إلى ظلمات الجهل واللامنطقية وقد يقوده ولائه لمجموعته لإرتكاب جرائم كبرى في حق الأخرين بلا ذنب جنوه. 
وهناك عدة مظاهر يتجلى فيها التعصب بوضوح مثل التعبير اللفظي والمقاطعة والتجنب والتفرقة في توفير فرص العمل والمزايا الأخرى وأخيرا قد يتخذ هذا التعصب شكل عنيف يصل حد الإبادة العرقية.
وبالرغم من وجود جانب إيجابي ملموس للتعصب يتم تصنيفه تحت شعارات الوطنية والإنتماء الديني وهي قوة إيجابية تتمثل في دفاع الإنسان عن وطنه ضد الغزاة وتعاطف أصحاب الديانة الواحدة معا في حالة تعرض بعضهم في أي مكان للظلم أو الكوارث البيئية ويتمثل ذلك في تقديم كل المساعدات الممكنة ووسائل الإغاثة المتاحة وهذا يمثل نوع من التكافل والمؤازرة الإيجابية المطلوبة.
إلا أنه يتحول لكارثة محققة تهدد السلام والأمن والإستقرار إذا تسبب في إشعال الفتن بين أبناء الوطن الواحد ووصل الأمر لمحاولة كلاً من الأطراف المتصارعة إبادة الأخر أو الإنتقاص من حقوقه ، عندما يصل الأمر إلى مرحلة "إما نحن أو أنتم" تدق نواقيس الخطر وتسيل الدماء البريئة بلا سبب يبرر ذلك إلا العنصرية والغباء البشري الذي يجعل البعض يتصور أنه أفضل أو أحق بالوجود والبقاء من الأخرين لأنه من جنس أو دولة أو طائفة مختلفة.
وإن كنت أجد في التعصب الشديد للدين أو الوطن أعذار ومبررات مفهومة ، فمن الصعب جدا بالنسبة لي تفهم أسباب التعصب الشديد للفرق الرياضية والتي يسفك فيها الدماء وتسوء العلاقات بين الدول ويتصرف فيها جماهير المتعصبين بشكل همجي قد ينتهي فيه المباراة بنسبة لا بأس بها من القتلى والجرحى والخسائر المادية.
ولا يمكنني قبول فكرة التعصب الذكوري التي تجعل من الكثير من الرجال يعتقدون أنهم الجنس الأذكى والأحكم والأقوى وأن النساء ليسوا إلا دمى متحركة لا عقل لها أو سبب في كل المشكلات وحاويات لكل النقائص على وجه الأرض بالرغم من تفوق المرأة دراسيا وإقتحامها لسوق العمل بكل قوة وجدارة.
التعصب والتمييز ينسحب حتى داخل الجنس الواحد والوطن الواحد والديانة الواحدة ويتوجه للإنتقاص من شأن أبناء المحافظات الأخرى كالسخرية من أهل الجنوب أو الإستخفاف بطبقات الفلاحين والعمال وإنتقاص حقهم في التعبير والإختيار. 

التعصب يظهر الوجه الأشد بدائية للبشر ويخلع عنهم قشور المدنية والتحضر وكأننا نتقدم تكنولوجياً ونتراجع إنسانياً.

   

هناك تعليق واحد:

  1. كلام رائع ونراه في حياتنا ونتصرف به دون أن نشعر وللأسف نربي عليه اجيالنا القادمة دون ان نشعر ايضاً بتصرفاتنا.. فالمرء يتعصب ضمن عائلته وضمن حيه وضمن مدينته وضمن بلده وبعدها دينه وقوميته كلاً حسب الحالة التي تستدعي التعصب.
    لا أرى أي طريقة للتخلص من التعصب الا بالتوعية حيث يبدأ الانسان من نفسه وبيته ويزيل ما أمكن من عوامل التعصب لينشئ جيلا قادماً فيه اقل ما يمكن من بذور العصبية

    ردحذف