الجمعة، 13 مايو 2011

الإنكار

عندما يواجه الإنسان بشئ يفوق إحتماله كموت عزيز أو معرفته بإصابته بمرض خطير أو مرض إنسان أخر يهتم بأمره كثيرا يلجأ في كثير من الأحيان لتقنية دفاعية تعمل كحاجز بينه وبين ما لا يستطيع مواجهته  هذه التقنية الدفاعية تعرف بالإنكار، ولأن الكثير من البشر يلجأون لهذه التقنية الدفاعية في مرحلة ما في حياتهم فقد أصبح من المنطقي أن نأخذها في الحسبان عند التعامل مع الناس في المواقف الحرجة وحتى أنها أصبحت أحد الخطوات التي يجب على الطبيب العمل عليها عند تعامله مع المرضى ، فعندما تضطر لتبليغ زوجين دخلا مرحلة الأبوة منذ زمن قصير وجائهم ضيف صغير أنتظراه بشوق وأمل فترة الحمل وأستعدا لولادته وتمت عملية الولادة بنجاح ، عندما تخبرهما بأن الطفل يعاني من مرض أو عيب وراثي سيؤثر على حياته ، يجب أن يكون لديك الإستعداد لتقبل إنكارهما لهذا ورفضهما لتشخيصك ولجوئهما لأخرين ليؤكدوا لهم التشخيص ، فليس من السهل تقبل أن يأتي الحلم منقوص أو مشوه وليس من السهل على البشر مواجهة الفقد وأنتظار الألم والمعاناة القادمة .
إذا فالإنكار أحد ردود الفعل البشرية المعروفة والتي قد تظهر كرد فعل فردي على مشكلة شخصية أو حتى رد فعل جماعي في حالة وقوع مجتمع بالكامل تحت ضغوط وتضليله إعلاميا لسنوات طويلة حتي أنك تذهل عندما تقودك الظروف للحوار مع أحد المنكرين والذي قد يعميه الإنكار عن كوارث تحيط به من كل جانب يرفض التعامل معها ومواجهتها حتى تستفحل وتنفجر أمامه وربما يسوقه هذا لإستخدام التبرير كسلاح دفاعي أخر يغطي به قصوره وما أكثر أسلحة النفس الدفاعية المضللة.
وليس أبلغ من العبارة الإنجليزية القديمة لوصف حالة الإنكار والتي تقول:
Denial is more than just a river in Egypt
والتي طالما أثبتت صدقها على أرض الواقع في السنوات الماضية ، وجعلتني أتسائل بعد قيام الثورة هل الناس أتفقوا على التوقف عن تجرع ماء هذا النهر المضلل يوم 25 يناير؟ أو هل جفت مياهه فجأة ؟ حتى تبين لي أن هذا النهر الملعون تمتد روافده في جنبات الوطن العربي وما فعله أنه أتخذ من الأراضي السورية موطنا جديدا ، فحالة النكران التي آنتابت رموز النظام السوري ومؤيديه تفوق الوصف وتتحدى العقل والمنطق ، فهم ولسنوات طويلة يعيشون في وطن أشبه بكهف أفلاطونى تمتنع عنهم فيه وسائل الإتصال بالعالم الخارجي وكأننا مازلنا في عصور الستينات حيث لا يسمع الناس غير صوت النظام ولا يروا إلا ما يراه النظام فإذا قال لهم نظامهم أن الديمقراطية كفر فهي كفر وإذا قال لهم أنه وحده الممانع الصامد الذي يحمي الديار فهو كذلك ، وإذا قال لهم أن ألاف المواطنين الذين يتم تعذيبهم والتنكيل بهم وحتى إبادتهم هم إرهابيين وعملاء ومأجورين ومغرر بهم ، تجدهم يؤمنون على ذلك ويطالبونه بإبادتهم غير مأسوف عليهم ، ومهما حاولت أن تسمعهم أصوات العالم من حولهم لا يستمعون ولو أستمعوا لا يصدقون ، هل العالم كله كاذب وإعلامكم وحده الصادق؟ إذا كان نظامكم صادق فلماذا أغلق الأبواب وحاصر المدن ومنع كل الحقوقيين والمنظمات الدولية والإعلاميين من النقل والمتابعة؟  لماذا يداعب الغرب كما فعلت وتفعل النظم الديكتاتورية المماثلة بالتلويح بسيف الإسلاميين وبكونهم البديل الوحيد عنهم والذي يحفظ للكيان الصهيوني أستقراره وأمنه! بل وكيف يتفق تصريح رامي مخلوف مع الإدعاء بالممانعة ودعم المقاومة!
  بل كيف يمكن أن يدعي أحد أنه أختار بمحض إرادته نظام ديكتاتوري يستأثر فيه الحزب الواحد بالوطن ومن فيه ويقوم بتوريث الحكم رغما عن أنف الدستور والقانون ونظام الدولة الجمهوري؟
في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة وسنرى هل سيستطيع من خرجوا من الكهف وطالبوا بالحرية أن ينقلوا للأخرين ما رأوه تحت ضوء الشمس أم سيكتب عليهم أن يختنقوا بأحلامهم ويقبعوا مع القابعين في الكهف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق