الجمعة، 3 يونيو 2011

في عالم أخر

عجيب هو عالم الإنترنت ، وعجيب ما صنعه فينا وما صنعناه فيه ، يمكنك أن تكون من تشاء وما تشاء على صفحاته ، يمكنه أن يخرج منك أفضل ما فيك ويحقق أحلامك وأمنياتك الضائعة والمؤجلة والمستحيلة ، ويمكنه أن يخرج أسوء ما فيك ويطلق أكثر المشاعر بدائية وعدوانية وكل ما تسعى جاهدا لإخفاءه في واقعك.

يمكنه أن يسمع صوتك للعالم كله و يجمعك بمن يعتنقون نفس أفكارك ولديهم اهتماماتك وأهدافك مهما كانت هذه الأفكار غريبة وشاذة وغير مستساغة لمجتمعك ، فقد أستطاع كل أنسان أن يجد شركاء له يمكنه رفعهم لمرتبة الأصدقاء بعد أن أصبح من الصعوبة بمكان الحصول على أصدقاء حقيقيين بالطريقة التي يحلم بها ويتمناها البشر ، فلا وقت لدينا للقاءات والمجاملات والجلسات ، الإنترنت يعفيك من كل ذلك فلست في حاجة لتوفير وقت أو عمل أستعدادات خاصة للقاء، فيمكنك أن تحدث صديقك الإفتراضي في أي وقت ومن أي مكان وحتى اذا لم يكن متوفر تترك له رسالة وتحصل على الرد عندما يتوفر له الوقت، لا يهم إذا كان عربي أو هندي ، لا يهم اذا كان أبيض أو أسود ، طويل ، قصير ، سمين ، نحيف ، أنت فقط تشاركه أفكارك ، لن تتعرض صداقتكما الإفتراضية لاختبارات صعبة أو مرهقة ، فلا ألتزامات ولا ضغوط ، اذا تعقدت الأمور يمكنك أن تمحو كل شئ بكبسة زر.
يحقق لك الإنترنت الأهداف الثلاثة التي وضعها أرسطو للصداقة: "المنفعة ، اللذة ، الفضيلة" أو يحقق لك أيهم اقرب لنفسك ولإهتماماتك.
فبمعــرفتــك بمن لديهــم نفــس نوعية الدراســة والعمــل يمكنــك أن تحــقق المـنفعة.
وفي وجود كل وسائل الترفيه من موسيقــى وفنون وغيره يمكنك أن تحقق اللذة، بتبادل ما يسعدك مع من يشاركونك في الميول.
ويمكنك تحقيق الفضيلة بالتعاون مع من وهبــوا أنفســهم لها وعملوا على نشرها من منظمات حقوقية ومهتمين بخير البشرية وسلامتها.

أستطاع الإنترنت أن يخلق نوع جديد من العلاقات الإجتماعية، نوع فريد يحوي كل التناقضات ، فأنت وحدك بين أربعة جدران ، ولكنك مع ألاف البشر ، تتحدث وتغني وتضحك وتغضب بالرغم من أنك صامت فكل مشاعرك وانفعالاتك أصبحت افتراضية أيضا.

أستطاع الإنترنت أن يضم في رحابه مشاعر الغضب والكبت والإحباط التي عاناها الشباب العربي لسنوات طويلة ، وفتح لهم الباب على مصرعيه للنقاش وتبادل المعلومات والإختلاف والإتفاق ، وفتح عيونهم على عوالم أخرى حيث للإنسان حقوق وللإنسانية معاني لم نلمسها يوما، في كل لحظة كانت كرة اللهب تكبر وتزداد قوة وعنفوانا حتى لم يعد العالم الإفتراضي بقادر على احتوائها فخرجت للواقع تحرق الظلم والفساد والإستبداد.

قد يراه البعض "وأنا منهم" أروع اختراع عرفته البشرية فالعالم كله تحت أصابعك بتاريخه وأخباره وعلومه وفنونه وكل ما شئت وتمنيت.

وقد يراه البعض الأخر لعنة كبرى اذا ترك نفسه للإنزلاق وراء الشياطين القابعين في جنباته والمتحينين الفرصة لسقوط الضحايا من العابثين والغافلين.

و تبقى العلاقات الإجتماعية على الشبكة العنكبوتية غير كاملة وغير مأمونة وتعاني من الإزدواجية فأنت تعرف أشخاص لا تعرفهم وتصادق أشخاص قد لا يحالفك الحظ بلقائهم يوما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق