الثلاثاء، 14 يونيو 2011

عندما تتعدد الخيارات

يتجسد الشعور بالحرية بشكل واضح في نفوس البشر عندما تتوفر لديهم الخيارات المتنوعة ويكون المجال مفتوح أمامهم لتحديد ما يناسبهم بعيدا عن الضغوط النفسية أو المادية، وكلما تطورت الحياة كلما تعددت الخيارات وأصبح الإنسان في حاجة لإتخاذ العديد من القرارات بشكل يومي بداية من نوع ملابسه ولونها للمدينة التي يقطن فيها لنوعية الدراسة التي يريدها والعمل الذي يناسبه للطريق الذي يسلكه من أجل الوصول لعمله ووسيلة النقل التي تحمله اليه، طعامه، ديكور منزله .......... إلى مالانهاية له من الأشياء، تتعدد الخيارات بحسب الإمكانيات والثقافات والأذواق، بينما لم يكن لأجدادنا نفس هذا العدد الكبير من البدائل ونفس القدر من التنوع في حياتهم.
ولا يختلف الأمر كثيرا عند النظر في تاريخ الحياة السياسية والحزبية الحديث في مصر فالخيارات لم تكن مفتوحة في يوم من الأيام بشكل حقيقي وفاعل ويتيح للمواطنين التعبير عن قناعاتهم وانتماءاتهم بحرية، بداية من حقبة الإحتلال البريطاني لمصر حيث نشأت بعض الأحزاب والقوى السياسية المعارضة على آستحياء وكانت تعاني من ضغوط رضوخ مصر للإحتلال وتبعيتها لإسطنبول ، وما تلى ذلك من ثورة 1952 والتي أنشأت ما يعرف بهيئة التحرير في 23 يناير عام 1953 وتلاها الإتحاد القومي في  16 يناير 1956 والذين مهدا الطريق لنشأة الإتحاد الإشتراكي العربي في 29 اكتوبر عام 1962 والذي كان يتبنى أهداف المرحلة ويعمل على تقوية الإقتصاد الوطني بإنشاء قطاع عام قوي يقوم بدور رئيسي في تنمية الدولة ويعطي دور كبير وجاد للعمال والفلاحين في النشاط السياسي ويساند المشروع القومي العربي. 
ولكنه لم يسمح بوجود تعددية أو ظهور اي اتجاهات معارضة او مخالفة لسياسة الدولة واتجاهاتها ، وتعالت الأصوات المنادية بالتعدد وخاصة بعد هزيمة 1967 وما تلاها وحتى تولي السادات مقاليد السلطة والذي سمح بدرجة محدودة جدا من التعددية داخل الإتحاد الإشتراكي بتقسيمه لتكتلات او منابر تمثل اليمين "تنظيم الأحرار الإشتراكيين" والوسط "تنظيم مصر العربي الإشتراكي" واليسار "تنظيم التجمع الوطني التقدمي الوحدوي" والتي تحولت في عام 1976 لأحزاب ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في 1977 ولم يتيح ذلك الفرصة إلا لوجود مجموعة صغيرة من الأحزاب متمثلة في  أحزاب الوفد والتجمع والأحرار والعمل والحزب الوطني الديمقراطي والذي تولى السادات رئاسته.
الا أن أحداث 1977 قضت تماما على حيز الحريات المحدودة والتي كانت قد أتيحت للأحزاب والقوى السياسية للتعبير عن نفسها وحتى أنتهاء فترة حكم السادات باغتياله وتولي مبارك الحكم والذي سمح بانشاء العديد من الأحزاب في الحديقة الخلفية للحزب الوطني الحاكم وفرغها من جوهرها تارة بتعيين رؤسائها في مجلس الشورى وتارة بالدعم المالي، وبقانون الأحزاب المقيد.
ولم يكن من الصعب تخريب أي حزب يغرد خارج السرب أو إيقافه بالكامل كحزب العمل الذي تم اغلاقه ومصادرة جريدته المعارضة "الشعب" والذي ظلت قضيته متداولة في المحاكم لسنوات وسنوات، وغيره من الأحزاب التي تعرضت لهزات ونكسات كبيرة لمحاولاتها الظهور بمظهر المعارض الفعلي لا الصوري كحزبي الغد والوفد. 
وتفرد الحزب الوطني الديمقراطي بالحكم وحول الدولة سياسيا واقتصاديا لمؤسسة تخدم مصالح الأسرة الحاكمة والأعضاء المقربين منهم والذين يخدمون تطلعاتهم ويعملون على تنفيذ رغباتهم ، أصبحت الأمور كلها شكلية فهناك تعددية حزبية ولكنها  لم تقلص من تحكم حزب المصالح في شؤون الدولة ولم يكن لديها أي أمل في نيل أغلبية في يوم من الأيام أو حتى في الخروج بأفكارها خارج حدود مقراتها وحتى اجتماعاتها داخل المقرات لا تخلو من الرقابة والدسائس.
وهناك نظام رأسمالي ولكنه يعمل على أحتكار رؤوس الأموال في يد العائلة الحاكمة ويمنع ظهور أي مستثمر من خارج عبائتهم، وهناك سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية ولكنها تصيغ القوانين بما يخدم مصالحهم وتنفذ ما يدعم وجودهم.
فأصيبت الحياة السياسية والإقتصادية بشلل تام حيث غابت تماما الفرصة لوجود رأسمالية حقيقية و أصبح الإقتصاد كيان هش قائم على الإحتكارات والمضاربات واستغلال النفوذ وغابت تماما ثقافة الإنتاج وتم بيع أملاك الدولة في صفقات مشبوهة لا تخدم الا مصالح النخبة الحاكمة وأرتفعت معدلات البطالة وأنتشر الفساد وضاعت الحقوق وكانت هذه الممارسات المفرطة في الأنانية هي العامل الأهم والأقوى في قيام الثورة. 
وأخيرا وبعد سنوات وسنوات من التضييق والقمع والتغييب أصبحت الفرصة مهيأة لقيام أحزاب حقيقية تستند على فكر وأيديولوجية وأرضية في الشارع المصري ، ولكن هذه الفرصة التي تتاح لأول مرة أثارت الكثير من الخلافات والمشاحنات بين القوى والإتجاهات السياسية ، فالجميع أصبح لديه أمل أخيرا في تحقيق أحلامه وترجمة أفكاره على أرض الواقع ، وأصبح لديه أيضا تخوف من سيطرة فكر الأخر وتوليه مقاليد السلطة فبعد سنوات من القمع والإقصاء أصبح لدى الجميع هاجس بأن من يتولى الحكم سيسير على سنة سابقيه في اقصاء معارضيه والإستئثار بالسلطة. 
وأخذ الجميع في عقد مقارنات بين سلبيات وإيجابيات القوى المتصارعة وأهدافها التي تسعى اليها وما سيكون عليه الأوضاع في حالة فوزها بأغلبية برلمانية.
فكما أن الخضوع والكبت وإنعدام الخيارات يثير الحزن والأسى والغضب فكذلك تعدد الخيارات يثير الكثير من الحيرة والتخوف والصراع النفسي فقد لا يكون إختيارنا هو الخيار المناسب وقد لا يفي بما نريده ونتمناه ، ولكن يبقى الأمل دائما في القدرة على التغيير وتعديل المسارات الخاطئة طالما توفرت لنا حرية الإختيار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق