الأحد، 6 مارس 2011

ثائرة

من أروع ما يميز الثورة التي تهز كيان الإستبداد وتجوب أفاق الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه أنها ثورة عامة شاملة لم تعترف بجنس أو لون أو طائفة أو طبقة ، ولذلك فليس من الغريب أن تكون المشاركة الأنثوية فيها فعالة وحاضرة بشكل واضح ، شكل لم يعهده المحللين والمتباكين على ضعف تمثيل المرأة في العمل السياسي ، ولكن إذا نظرنا للأمر بشكل أعمق فالمرأة لم تكن بمعزل عن الأوضاع العامة والمناخ الإستبدادي الذي جعل من العمل السياسي شئ صوري لا قيمة له ، فإما أن تكون فرد في منظومة الفساد وإما فأنت متهم مطارد مهدر الحقوق بموجب قانون الطوارئ ، وبالرغم من الضغوط التي مورست على المعارضين والمعارضات إلا أن ذلك لم يمنع ظهور معارضات مؤثرات في غاية القوة سواء في جيل الرائدات أمثال الأستاذة المبدعة سكينة فؤاد أو في جيل الشابات أمثال الكاتبة نوارة نجم ،  كما تلاحظ نمو ونضوج في نسبة كبيرة من الأجيال الجديدة من طالبات الجامعات والخريجات جعلهن أكثر إهتماما بمصير الدولة والتي كانت تقاد بأيدي الفاسدين لمصير مظلم فالسياسة لم تعد قاصرة على حزبيين أو ممثلين لتيارات خاصة وإنما تعدت ذلك كثيرا لتقتحم على الشباب والشابات حياتهم وأحلامهم والتي كانت مهددة دائما بشبح البطالة والفقر وإهدار الحقوق  مما جعل البحث عن مخرج من هذه الكوابيس يصطدم دائما بنظام الحكم ويعود في النهاية إلى ضرورة إنتزاع الحق المسلوب والذي تعذر إسترداده بالقانون في وجود نظام لا يحترم أحكام القضاء.
 ومن الملاحظ أن الفتيات أصبحن أكثر جرأة وتخلصن من ميراث ثقيل تناقلته أمهاتنا بأن الفتيات عليهن فقط السمع والطاعة والإبتعاد عن إبداء الرأي وخاصة إذا كان هذا الرأي سيسبب نوعا من الإصطدام بأراء الكبار والمحيطين.
ودور المرأة في تأجيج الثورة لم يكن صنيعة الصدفة ولم يبدأ مع بداية الثورة ، ولكنه بدأ منذ سنوات بالحشد والتوعية عن طريق صفحات الإنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي وكم شهدت صفحات الإنترنت من صراعات وسجالات بيننا وبين مؤيدين الحزب الحاكم في النظام المخلوع والذين كانوا يحاولون تغيير الحقائق وكسب كل ما يمكنهم من تأييد ، هذه الثورة الرقمية أستمرت لسنوات في العالم الإفتراضي حتى خرجت لأرض الواقع قوية جامحة كاسحة لم تصمد في وجهها أدوات القهر والتركيع التي طالما أستخدمت في المظاهرات الفئوية والأهلية السابقة وتمكنت من إخمادها بكل قسوة مرات عديدة .
وعندما أنطلقت شرارة الثورة كانت جميع الفئات ممثلة فيها لم تخاف الفتيات من مواجهة المدرعات وسقطت منهن شهيدات إلى جوار الشهداء ، وأعتصمت الفتيات والسيدات لم تغادرن الميدان وحتى تحقيق مطالب الثورة، وليس أروع من روح المؤازرة والدعم التي عمت الثوار فجعلتهم يحمون أخواتهم وأمهاتهم بأرواحهم ويتلقون عنهم الأذي قدر إستطاعتهم.
قد يكون الكثير من المحللين والمتابعين أستطاعوا حصر الخسائر المادية والمعنوية التي نتجت عن الثورة ، ولكن من وجهة نظري المتواضعة أن مكاسب هذه الثورة تستعصي على الحصر ، فتوحيدها للصفوف وإخراجها لمعاني رائعة كنت أظن أنها أندثرت إلى الأبد من مجتمعنا مثل الإيثار والترابط والإنتماء شئ لا يقدر بثمن .
ومازال الطريق طويل وصعب أمام المرأة العربية في مرحلة ما بعد الثورة لترتقي المكانة اللائقة بها وتحصل على التمثيل الذي يتماشى مع تضحياتها ومجهوداتها في تأجيج ودعم الثورة.

هناك تعليق واحد:

  1. بالفعل عزيزتي فقد أصبت عين الحق في أن المكاسب من وراء تلك الثورة الطاهرة هي اكبر بكثير مما يتوقعه الناس على مدى السنوات القادمة والتي ستشهد على كل من تخول له نفسه في ان يطعن بها او يتجرأ على اعادة ما كان سابقا من ظلم وقهر. والدور الكبير الذي قامت به المرأة في هذه الثورة لا يمكن لاحد ان ينكره لانها تواجدت بكل الظروف كما قلت ولم تغب اي لحظة عن تلك الملحمة الشعبية.
    تحياتي القلبية لكل مصري ومصرية قاموا بالثورة وجندوا انفسهم لها لنيل الحرية وكما قال احد المسؤولين في بريطانيا ان هذه الثورة يجب ان تدرس في الجامعات لانها كانت قمة في المثالية

    ردحذف