الجمعة، 22 يوليو 2011

في الظلام

الظلام ، ظاهرة طبيعية كانت ولازالت تثير نوع من الخوف الفطري لدي الإنسان ، فهي تعطل أحد حواسه الهامة التي يعتمد عليها في إدراك ما حوله ، وتجعله في توجس وحيرة من أمره وترقب لما يمكن أن يكون قد تخفٌى له تحت جُنح الظلام ، فقد أعتدنا أن نُلحق كل الشرور والأثام والخطايا والخبائث بالظلام، والكثير من الأفعال والرغبات الغير مشروعة تجد فرصة للتعبير عن نفسها وفرض وجودها عندما ينحسر الضوء ويلفها الظلام بستره.
عندما تواجه عدو لك في الظلام لا تدرك ماهيته ولا تستطيع لمسه يكون الأمر محير ومرعب فأنت لا تعرف حجمه ولا أدواته ولا مدى قوته ، لا تعرف دوافعه أو نواياه أو حجم الأذي الذي يمكن أن يلحقه بك، يجعلك ذلك تفقد الكثير من قوتك وقدرتك على التفكير المنطقي ويعطل انتاجك لردود افعال متناسبة مع ما تواجهه من مخاطر.
هذه هي الصورة التي أصبحنا نعيشها في مصر الأن، فقبل الثورة كان للفساد والظلم وجوه وأسماء ، كانت له مبررات مفهومة ، كان العدو معروف والهدف محدد، الأن أشعر أن هناك ضباب حالك السواد أنتشر عمدا حجب عنا كل الحقائق وعطل العديد من حواسنا التي تساعدنا على الفهم، فالقاطرة مازالت تسير على نفس القضبان وفي نفس الإتجاه الذي يدفعنا للهاوية ولكننا لا نرى القائد ولا نفهم دوافعه ولا نستطيع الوصول إليه ، من الذي يصر على الإبقاء على منظومة الفساد عاملة وفي أوجها؟ من الذي يحمي الفاسدين ويعطل محاكمتهم والقصاص منهم ؟ من الذي يريد ببلادي أن تظل في القاع وبشعبي أن يعاني القهر والفقر، من الذي يضيع علينا الفرصة في الخروج الى النور وإيجاد مكان تحت الشمس يليق بنا كبشر؟ 
من الذي يختفي وراء كل تلك الأقنعة والذي يدير المسرح من الخلف فكلما نزعنا وجه وجدنا وجه أخر يسير على نفس النهج دون تغيير!
لم يبقى لنا في الظلام غير التكهنات والظنون ، والرمي بالسهام الطائشة ، متسائلين هل هي قوى خارجية أم داخلية ، عربية أم غربية ، ماذا تريد منا ، مَنْ مِن بيننا يؤيدها ويعمل لصالحها ، من مخلص للقضية ، ومن باعها وقبض الثمن .
لم يبقى لنا سوى الصراخ في الظلام ملقين الإتهامات يمينا ويسارا، فالكل يصيبه الإرتياب في الظلام حيث يتمكن الأعداء من الإندماج في الصف ساعين لتخريبه وتفريقه بينما هم يرفعون الصوت عاليا بالتأييد والمؤازرة.
أصبحنا كمن يحارب وحوش أسطورية لا يراها ولكنه يسمع زئيرها المرعب يهز الأركان ، أو كمن أضاع عمره في محاربة طواحين الهواء فلا هي توقفت ولا هو أعلن انسحابه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق