الخميس، 20 يناير 2011

عذاب الذل وعذاب الحريق Suicide by burning

يعي الإنسان خطورة النار في سن مبكرة فمجرد الإقتراب منها لدرجة غير أمنة يثير النهايات العصبية بدرجة تنبه الجهاز العصبي وتنشر تحذير شديد لأجهزة الجسم باتخاذ رد فعل سريع وفوري للإبتعاد عنها ولذلك فخوف الإنسان من النار خوف طبيعي ومفهوم ولا يختلف عليه عاقل راشد ، وحتى أن الخالق يخوف عباده بعذاب الحريق فلا يوجد أكثر تخويفا وأشد بشاعة من الحريق. 
ولذلك يصنف العلماء الإنتحار حرقا بأنه رد فعل عنيف جدا ومبالغ فيه ولا يمكن فهم أسبابه ودوافعه بشكل واضح أو معقول. 
فحتى اليائسون من الحياة يبحثون عن أساليب أخف وطأة وأقل ألما للإنسحاب بهدوء منها ، والذين يريدون مجرد لفت إنتباه الأخرين لهم وتلقي بعض الإهتمام والتعاطف والدعم سيستخدمون طرق تمكن الأخرين من التدخل في الوقت المناسب لإنقاذهم ، أما الذي يدفع الإنسان لإراقة مادة سريعة الإشتعال على جسده وإشعالها فهو نوع من الغضب المتفجر والإحتجاج الصاخب والذي قد يكون نتيجة لقهر وإحباط لا يحتمل أو مرض نفسي شديد ولا يمكنني أن أتصور مدى ما وصل إليه هذا الإنسان من شعور بالغضب واليأس والإحباط والألم والذي جعل النار بالنسبة له أكثر أمانا ورحمة من الدنيا وما فيها ففي الغالب لا يتم إنقاذ هؤلاء فجسد الإنسان لا يحتاج لأكثر من خمسة دقائق ليشتعل بالكامل في حالة إستخدام مواد بترولية سريعة الإشتعال وحتى الناجون سيعانون ما بقي لهم من عمر من الأثار النفسية والجسدية للحريق.
وما كان حرق بو عزيزي لنفسه إلا ثورة على الظلم وإهدار أدميته وكرامته وهي الثورة التي أمتدت وعمت أرجاء تونس الخضراء المسالمة المحبة للحرية والتي بعثت الأمل في نفوس باقي الدول والتي يعاني أبنائها من نفس الظروف بدرجات متفاوتة بأن الحل ليس بعيداً وأن التغيير ليس مستحيلاً وبالرغم من أن بوعزيزي كانت لحياته مقابل وقيمة كبيرة لدى أبناء شعبه فمن سار على نهجه من أبناء الشعوب المقهورة لم يجني سوى العذاب والأسى ولم يحرك ألمه وصرخاته الرؤوس الهاجعة والقابعة في القصور وإنما فقط حرك سيل من فتاوى التحريم والتجريم وأوجد مجال واسع للمحللين والأطباء النفسيين وألاف الموضوعات الصحفية والبرامج الفضائية والعديد من ألوان وأشكال الصخب والتي تضيع فيها صيحات وصرخات القهر والذل.
من يطفئ المحرقة؟

هناك تعليق واحد:

  1. مقالة رائعة تعبر عن الدرجة التي يصل بها من تقطعت بهم الاسباب وتعبير صارخ عن مدى الغضب الكامن في هؤلاء المساكين.. بو عزيز مسكين انقلبت الحياة ضده كغيره من الناس ولم يستطع ان يرى عائلته تموت جوعاً ولم يسرق او يرتكب الجرائم ليطعمهم بل فضل الصراخ عالياً حتى حصل ما حصل... ربما لن تكفينا مقالة واحدة لنعبر عن مدى تضامننا معه.

    ردحذف