الثلاثاء، 23 فبراير 2016

خدش حياء مجتمع فاقد للحياء


لم أكن قد سمعت من قبل بالكاتب أحمد ناجي، وحتى نشرت الصحف خبر الحكم بالسجن عليه لعامين بتهمة "خدش الحياء"، وذلك بعد قرار النيابة باستئناف القضية، والتي حكم فيها مبدئيًا ببرائة الكاتب.

واستوقفتني كثيرا التهمة المنسوبة للكاتب، فما الذي يمكن أن يخدش الحياء في مجتمع احتل المركز الأول على مستوى العالم في مشاهدة المواقع الاباحية مع العلم بأن سرعة الانترنت لديه هي الأقل على الاطلاق، واحتل المركز الثاني في التحرش بعد أفغانستان، ولم يستطع منع برنامج مثير للغثيان مثل "وش السعد" وبنظرة فاحصة على التعليقات التي يتركها معظم مستخدمي الانترنت على الصحف في مواقع التواصل الاجتماعي سيدهشك درجة فجاجتها واغراقها في الاباحية.

وكمحاولة لفهم حجم الجريمة التي استحقت أن يحكم على صاحبها بالسجن عامين، قمت بتحميل الرواية وقراءتها وبالرغم من وصفه لبعض المشاهد الجنسية إلا أن كتب الأدب عامرة بمثل هذه الأوصاف، والكثير من الكتب التي تذخر بها المكتبة العربية تحمل مثل هذه المشاهد، وبنظرة الى كتب مثل الف ليلة وليلة، أو كتاب الوشاح في فوائد النكاح ستعرف أن الأمر معتاد في الكتابة الأدبية على مر العصور وليس دخيلا على الكتاب العرب، والكثير من الشعراء قديمًا وحديثًا لم يتورعوا عن الكتابة بتعبيرات يعتبرها المجتمع خادشة للحياء منهم نزار قباني الذي تجوب أشعاره الأفاق، ومنهم  عبد القادر الجنابي ومنهم حسين مردان، وحتى كبار الكتاب من غير العرب مثل الكاتب البرازيلي الأشهر باولو كويلو والذي ترجمت كتبه إلى معظم لغات العالم، وتنتشر في مصر بأكثر من لغة في المكتبات وعلى الأرصفة،  يوجد له بعض الكتابات التي تتحدث عن الجنس وبشكل مباشر مثل ١١ دقيقة، لم يمنعها أحد او يعترض عليها أحد، ولا أعرف أديبًا من قبل تعرض للسجن بسبب هذا النوع من الكتابات.

ولأننا اعتدنا في بلادنا على سجناء الرأي، والذين ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما، المتطاولون على الذات الإلهية، والمتطاولون على الذات الحاكمة، فكان لزامًا عليّ أن أبحث بين طيات كتابه عن أحد المحرمّين، ووجدت فيه ما فيه من إيماءات "سياسية" أرجح أنها هي التي ارسلته إلى السجن وليس الايماءات "الجنسية" بحسب المعلن، ففي أحد مقاطعه ينتقد حكم الجنرال الذي كمم الأفواه، وفي مقطع آخر يصف الشرطي بالفأر الأسود، بعد اعتداء دورية شرطية على كشك وصاحبه العجوز المريض.

والكتاب كله يتحدث عن ما وصلت إليه القاهرة من مستوى غير محتمل في التلوث والعشوائية والزحام والفقر وصعوبة الحصول على الفرص، يتحدث عن سلوكيات الناس التي تربت في وسط هذا العذاب اليومي والصراع من أجل البقاء، يقول لك أن الناس في هذه المدينة فقدت القدرة على الإبتسام، وحتى الإبتسامة التي يقدمها لك احدهم ينتظر في مقابلها مقابل مادي، يسهب في الحديث عن الوسائل التي يغرق فيها الشباب نفسه لينسى للحظات كيف تدهس هذه المدينة أحلامه وآدميته بلا رحمة، يستخدم في بعض الأحيان الفاظ سوقية خارجة، ولكن هي بالضبط التي تسمعها في الشارع وتقرأها على الإنترنت وأصبحت حتى الفتيات لا تتحرج من قولها.

وأتعجب حقًا من الهجوم الجماهيري على الكاتب حتى أن البعض لم يتورع عن المطالبة بجلده وإعدامه ليكون عبرة لمن يعتبر، إذا كنتم على هذا القدر من الأدب والحياء فامنعوا نشر الكتب لا تحبسوا الكاتب، إذا كنتم مجتمع مثالي طاهر لا يعرف الإباحية امنعوا نشر هذه الكتب، إذا كانت الكلمات قد خدشت حيائكم امنعوا نشر هذه الكتب.

أيها الأنقياء الذين لا تجدون في كل ما يحيط بكم غير كلمات نشرت في كتاب مغمور لتخدش حيائكم، الفقر خادش للحياء، الفساد خادش للحياء، القتل تحت التعذيب خادش للحياء، الإخفاء القسري خادش للحياء، القتل خارج القانون خادش للحياء، المسرطنات التي تدخل أبدانكم، لحوم الحمير، سد النهضة، القمامة، العشوائية، مستوى التعليم، مستوى الرعاية الصحية، خنقكم المستمر بالغلاء والجمارك والضرائب، الطبقية، التلوث، إنهيار البنية التحتية، الإحتكار، الإعلان عن مشاريع وهمية، المؤبد لطفل في الرابعة، سجين التيشيرت، سياسة الإفلات من العقاب، إخراس أي صوت معارض، الإعلام العاهر، كل هذا لم يخدش حيائكم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق