الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

فياض ورائف

في أوطاننا فقط يمكن للكلمة ان تقتلك وتجلدك، في أوطاننا فقط تحكم المحاكم بالشبهة ويسمحون لأنفسهم بالتفتيش في الضمائر
ودائما ما يلفت الأنظار لأصحاب الفكر ثلة من الوشاة الحاقدين والذين يعرفون فقر موهبتهم وقصر قامتهم الى جوار هؤلاء العمالقة، والذين يكون لديهم بكل أسف قدرة على النفاذ لأهل الرأي والحل والربط، فتكون وشايتهم مؤثرة وأحيانا قاتلة للضحية الذي كانت جريمته الوحيدة هي إعمال العقل.
لا يخفى على أحد محنة الفيلسوف العبقري ابن رشد الذي تعرض لكل أصناف الترهيب وطرد وأحرقت كتاباته واتهم بالكفر فكيف يفند أقوال إمامهم الذي أقنعهم بأن الكرة الأرضية معلقة بين قرني ثور!
والتاريخ حافل منذ القدم بهؤلاء الذين راحوا ضحية فكرهم الصحيح الذي اثبت صوابه فيما بعد، وكان دائما ألد أعداء اصحاب الفكر والعلم هم مدعون التدين الذين رأوا في التحليل العلمي والبحث هدما لعروشهم التي أقاموها على أساس من الجهل وبدعم من الجهلاء.
يطالعنا التاريخ بحادثة سجن ونفي أنكساجوراس الذي قال بأن الكواكب ليسوا بآلهة وأن الشمس كرة من المعدن المتوهج مما يتنافى مع العقيدة الأثينية في ذلك الوقت، مما أثار حفيظة الكهنة فكفروه وحكم عليه بالإعدام ثم تم تخفيف الحكم والاكتفاء بنفيه من البلاد.
ولقى سقراط حتفه بنفس الأساليب ولم يختلف مصير عالمة الرياضيات هيباتيا والتي كانت تدرس فلسفة أرسطو في وجود أسقف يكره العلماء والمفكرين، والقول بكفرهم وسط العامة مما دفع الناس دفعا وبعد أن قام بغسيل مخ لهم بالهجوم عليها وتمزيق جسدها عارية وتركها للكلاب الجائعة تنهشها.
والكل في عالمنا الإسلامي يعرف بمأساة الحلاج التي صيغت فيها عشرات الكتب، ولم يكن حظ السهروردي بأفضل منه حيث لاقى حتفه بنفس التهمة الأبدية الخالدة "الكفر والزندقة".
وليس مفكري عصرنا بأوفر حظا من هؤلاء ولا شرطة الفكر بأفضل حلا، فكم من مفكر تم تكفيره وقتله وانتهاك حياته وتشويه سمعته أو مقاضاته بسبب ما أعتبره البعض تطاولا على الذات الإلهية أو بمعنى أصح وأكثر وضوحا "تم ضبطه بتهمة اعمال العقل والتفكير خارج صندوقهم المظلم".
على سبيل المثال لا الحصر، ما واجهه الدكتور فرج فودة من اغتيال بسبب مطالبته بعد استخدام الدين في أغراض سياسية، وما تعرض له كاتبنا العظيم نجيب محفوظ حائز جائزة نوبل في الأدب من تكفير ومحاولة اغتيال بسبب تطويع البعض لنصوصه وتحميلها ما لا تحتمل، والهجمة الشرسة التي تعرض له عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من تكفير واتهامات بازدراء الدين والمطالبة بمحاكمته، والدكتور نصر أبو زيد الذي اتهم أيضا بالكفر وتمت مقاضاته بدعوى للتفريق بينه وبين زوجته، حيث اضطر أخيرا لمغادرة البلاد الى هولندا.
وأخيرا وليس أخرا الأحكام التي صدرت على كلا من أشرف فياض ورائف بدوي بإعدام الأول وجلد وسجن الثاني لنفس الأسباب وبنفس المبررات.
وبمراجعة العقوبة الشرعية التي اتفق عليها شيوخ الإسلام عن حكم الردة، وجدت ان المتهم بالردة الذي ثبتت عليه ردته يستتاب لثلاثة أيام بلا ضغوط من أي نوع فإذا تراجع عن ما يعتبره هؤلاء كفرا لم يقام عليه الحد، ولا أعرف حقا من أين جاء المكفرون بأحكامهم ومن أي شريعة يستقون أفعالهم.
ومحاسبتك على النية والفكرة التي لم تخرج حيز التنفيذ، في أوطاننا فقط لا تختلف مع من هم أكبر منك حتى لا تزهق روحك بمقتضى قانون الأقوياء، في أوطاننا فقط من حق الكبار أن ينزعوا عنك ديانتك ووطنيتك ويتهمونك بالخيانة والإلحاد دون أسباب منطقية، في أوطاننا فقط لا يعترفون بالكناية والتورية والأساليب البلاغية الأخرى التي يتقنها كل من يستحق لقب شاعر أو أديب، في أوطاننا فقط توجد شرطة الفكر التي تعتقد أنها أعطيت تفويض إلهي بقتل من تعتبره خارج عن النص ماديا أو معنويا، لم يسلم أصحاب الفكر في بلاد العرب من المطاردة والتنكيل والتكفير، لم يسلم هؤلاء من حرق كتبهم ونفيهم وحتى قتلهم بأبشع وسائل القتل، ولا عجب ان تقترن هذه الأساليب بما وصلت اليه البلدان من مستوى موغل في التخلف والفساد وقرب أفول نجمهم، فعندما تنتشر الخرافة ويكرم الجهلاء ويحمل لواء الدين المتعصبين والمتزلفين للسلطان، ينتشر التكفير والقتل على النية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق