الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

صرخات على الجدران

هي صرخات صامتة .. عرفتها كل الشعوب المضطهدة المقيدة .. الرازحة دائما وأبداً تحت يد القهر والقمع والطغيان .. رسومات على الجدران .. تجعل الحجر يصرخ ويأن .. بعد أن أصاب الصمم الأذان وقست القلوب وغابت العقول .. هي صفحات سجلت ملاحم كفاح شعوب وتاريخ حافل بالشهداء والضحايا .. رسوم عبرت الأسوار والحواجز "رسوم الجرافيتي".. حفظها الشعب وجعلها سجله الحافل عندما آستطاع بعزيمته أن يصنع التغيير الذي سعى إليه .. وعندما وجدت صرخاته صدى .. ويشهد عليها سور برلين الذي مازال يحفظ لشعب ألمانيا ملحمة كفاحه لتوحيد بلاده وإسقاط حاجز صنعته الحرب الباردة وأصحاب المصالح .. رسومات لم يخلو منها الجدار العازل المقام في الأراضي المحتلة .. وكانت لسان حال الثورة والثوار في مصر وتونس وغيرها من البلاد التي أرادت الخروج من قبضة القمع والقهر وأن يحيا شعبها كبشر ويعامل كبشر .. ولكن عندما يتم إحتواء الثورة وتلجيمها وتحجيمها وتسيير الأمور كلها في عكس اتجاهها .. يكون تكميم الأفواه أحد الوسائل الهامة للقضاء نهائياً عليها .. ويصبح محو هذه الرسوم الجدارية محو لأخر أثر يدل على أنه كانت هنا في يوم ما ثورة .. كلما تأملت في الحال في مصر وما ألت إليه الأمور أصاب بحالة من الاندهاش الشديد .. كيف سارت الأمور في هذا الطريق وانحدرت الى هذا الدرك .. كيف انطفأت الأمال العريضة في التغيير والارتقاء وسقطنا مرة أخرى في نفس الوحل بل زاد عليه ما هو أكثر من الماضي تراجعا وانهيارا .. لا شئ تغير فعليا .. نفس السياسات العقيمة .. نفس الأساليب القديمة .. نفس الخطاب الحكومي الفارغ البائس .. نفس مناهج التعامل مع المشكلات والإحتجاجات .. لا أعرف ما هو المطلوب فعليا واللازم عمله لنعامل كبشر ومواطنين في بلادنا .. متى يكون لدينا قانون قائم يحترمه الجميع ويطبق على الجميع بلا استثناء .. حتى الأن لم تتحقق فعلياً أيا من مطالب الثورة المهيضة وقد لا تتحقق أبداً إذا بقى الحال على ما هو عليه .. بل أن الأمور ازدادت سوءاً وأصبحت أفعال وقرارات من بيدهم الأمور ذات قداسة من يعترض عليها فكأنه يخالف أمر إلهي .. فمنافقي كل العصور لم يدخروا جهدا في إضفاء القداسة على أفعال الرئيس والحكومة ولم يتوانوا عن استخدام نفس أغنيات جوقة الرئيس السابق .. وسلاح المبررون يعمل بكامل طاقته لتبرير ما لا يمكن تبريره وبأساليب لا تقل غباء عن أساليب مبررين الحزب الوطني البائد .. وكما وجدوا الف مبرر لمذبحة كتب النبي دنيال .. سيجدوا ألف غيرهم لمحو جرافيتي محمد محمود وتغيير معالم ميدان التحرير تحت شعار التحديث والتجميل بالرغم من أن المشاركين في هذه الأعمال هم فنانين في غاية الروعة وما قدموه إبداع حقيقي يستحق الحفاظ عليه واحترامه ناهيك عن المعنى المتجسد فيه .. وكأن البلاد خلت من كل مظاهر القبح والتخلف .. فلا أطنان من القمامة ولا ملايين من أطفال الشوارع والمشردين ولا عشوائيات وقرى خارج حدود الزمان والمكان وغير معترف بها وبأهلها كبشر لهم الحق في العيش بكرامة .. فلم يبقى ليشوه الوجه الحضاري العظيم الذي يطل علينا غير أكشاك الكتب ورسومات الجرافيتي التي تعبر عن الثورة!!! ..  كل شئ بقى على حاله ولم يتغير غير عدد المغيبين والمبررين والمسحورين بالشعارات واللحى. 
أما أنتم يا شهداء الحرية والمبادئ فإن غابت وجوهكم من على الجدران كما غابت من قبل عن الحياة .. فهي لن تغيب عن عيوننا وقلوبنا .. وان كانت الوعود باعادة المحاكمات وفرض القانون قد ذهبت ادراج الريح فمازالت مطالب الثورة والعدالة حية في قلوب ثوار لم ولن ينسوا.. والمحاولات المستميتة لغلق كل قنوات التعبير لم تفلح سابقا ولن تفلح أبداً..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق