الثلاثاء، 28 مايو 2013

أنا لم ألوث مياه النيل

آه يا روح الأرض .. يا إكسير الحياة .. يا دمعات السماء التي تترقرق خيراً ووفرةً وخصباً ونماء .. يا من علمّت البشر الحكمة والصبر والعمل وصنعت حولك أرقى وأعرق الحضارات الإنسانية .. هل من أرضها من لا يعرف فضلك؟ .. هل من أرضها من لا يدين لك بالحياة؟ .. هل من أرضها من لا تجري في عروقه مجرى الدم وتسري في جسده مسرى الروح؟ ..

"-أنا لم أغضب والدى ..  
-أنا لم ألوث مياه النيل. 
-أنا لم أصد الماء فى وقت جريانه.
-أنا لم أنقص القياس، ولم اغش فى الكيل ولم أطفف فى الميزان .
-أنا لم اطرد الماشيه من مراعيها.
-أنا لم أتسبب فى بكاء أحد.
-أنا لم أحرم انسانا من حق له.
-أنا لم أختطف اللبن من فم رضيع .
-أنا لم أطفىء شعله فى وقت الحاجه أليها."
                                                       كتاب الموتى
 
هكذا قال الأولون .. من تعلموا منك العطاء وعرفوا فضلك .. من علموا أنّه لا حياة لهم بدونك ولا بقاء ولا رغد.. وهكذا كان من تلاهم على العهد والوعد باقون .. مهما ثرت ومهما ضننت .. فأنت الحياة قسيت أم حنوت .. 
في كل العصور لم يملك الناس الا العرفان والحب .. حاولوا تطويعك وعملوا جاهدين على نيل أقصى ما يستطيعون من خيراتك .. وكنت دائماً عند العهد بك .. لم تخلف ولم تخون .. حتى خانوا العهد .. احتكروك بوحوش أسمنتية واستراحات للخاصة منهم ..  حجبوا رؤياك الحبيبة عن أبنائك .. لوثوك بمخلفاتهم .. قتلوا فيك الحياة وتركوا الأرض عطشى لك .. أرض بلادي التي طالما أنبتت أجود وأروع ما تنبت الأرض .. وفلاح بلادي الذي يحمل في جيناته خبرة ألاف السنين .. نبت بلادي الذي اقتات منه أعداد لانهائية من بشر وحيوان وطير.. والأن لا يجد أبنائها ما يقيم أودهم!! .. هل كنا ندرك أن الأسوء قادم؟ .. أن يمتنع عنّا أحد روافدك فيزيد العطش ويمتد السرطان الأصفر فيطغى على الأرض الخضراء .. ولا تجد من ينطق أو يرفع صوتاً محتجاً أو رافضاً .. لا كلمة .. لا فعل .. لا قرار وكأن المصيبة ليست عامّة ولا هامّة .. وكأن من بيدهم الأمر معنيون بإحراق الأخضر واليابس وقطع موارد الحياة عن الجسد الواهن!!   
وحتى في أحلك الأوضاع لا تتوقف آلة أكاذيبهم عن العمل .. فهي الشئ الوحيد الذي مازال يعمل وبكفاءة منقطعة النظير .. كذب غبي مثل من يطلقه .. كذب يثير الغضب فكأنهم يتحدثون لشعب فاقد العقل والفهم .. يجمعون أن سد "النهضة"- وما أكثر ما سدت النهضة في وجوهنا من ابواب - لن يؤثر على البلاد!!! .. فإذا كان نقص 12 مليار متر مكعب من أصل 55 لن يؤثر مع ما في مصر من فقر مائي "حد الفقر المائي بحسب الأمم المتحدة ألف متر مكعب سنوياً للفرد .. ينال المواطن في مصر 640 متر مكعب سنوياً فقط".. وإذا كان خفض توليد الكهرباء بنسبة 30%  - مع ما في البلاد من أزمة حقيقية في الكهرباء - لن يؤثر .. ناهيك عن الأثار المدمرة الأخرى للثروة السمكية والملاحة النيلية .. كل هذا في عرفهم يمكن الغاءه بكذبة جديدة تضاف إلى سجل أكاذيبهم اللانهائي .. ماذا بقى فيكِ يا بلادي على حاله في عصر الانهيار والانحلال .. هي طعنة جديدة في الجسد الواهن .. ولكنها هذه المرّة .. قاتلة!