الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

من الصدمة الى الغضب

لا أظن ان هناك انسان لديه شعور وحس انساني لم يهتز لمشاهد القمع والقتل والتنكيل التي شاهدناها جميعا في التحرير وبعض ميادين مصر الأخرى في الأيام الماضية، الا أن مشهد الفتاة التي هاجمها العديد من الجند بعدتهم وعتادهم فسحلوها ونزعوا عنها ثيابها كان أكثر المشاهد الصادمة والتي لا أعلم لها نظيرا على الاطلاق ، وزاد بشاعة المشهد التنكيل الذي نال كل من حاول أن يدرأ عنها العذاب أو يستر جسدها الذي انتُهكت حرمته علنا وممن يفترض أنهم حماة الأرض والعرض. 
لم تتوقف بشاعة المشهد عند هذا الحد ، ولكن ما تلى ذلك من نقاشات وتصريحات فجر بداخلي بركان من الغضب ، ففي مثل هذه المواقف تسقط الأقنعة وتصبح الكلمات والشعارات لا قيمة لها ، ولا يمكن قبول اي حجج أو مبررات تسوٌغ حدوث مثل هذا المشهد المفرط في البشاعة!

تصورت أن المشهد لا يقبل المزايدة ولا يحتاج لنقاش و تحليل .. الصورة واضحة تغني عن اي كلام، وبالرغم من ذلك انهالت التحليلات والادعاءات وبدأت عجلة التشهير في الدوران وصاغت الكثير من الروايات والحكايات واخذتنا في طرق فرعية لا معنى لها لتشويش الرؤية وصرف الانتباه عن الكارثة الحادثة. 

من هي ؟ ماذا تفعل في الميدان؟ ماذا كانت ترتدي ؟ أين ذهبت؟ هل المشهد مفتعل لاثارة جماعات الاسلام السياسي الخاضعة تماما لكل ما يمليه عليهم العسكر وحتى الوصول للكرسي؟ هل الفيديو مزور؟ 

أسئلة لا محل لها من الاعراب وغير ذات مغزى ولن تصل بنا الى هدف.

 يا بشر يا من أكرمكم الله بالعقل .. هل هناك مبرر ترتضية الانسانية ويرتضيه الضمير والعقل لأن تهان فتاة بهذا الشكل ، ولم تكن هي وحدها من تعرضت للأذي ولكنها وحدها من شائت لها الأقدار ان تنتقل صورتها فتحتل الصفحات الأولى في كل صحف الأرض من أقصاها الى أدناها. 

في هذا اليوم ظهرت أشد الوجوه قبحا وبشاعة وتجسد الفكر المتعصب في شكل مخلوق مشوه لا يفهم الروح الحقيقية للأديان السماوية، ولا يعرف الا لغة المصالح التي تجعله يغض الطرف حتى عن الأعراض المنتهكة فلا ينطق الا بسخافات تثير الغثيان، ظهر لنا من هم أصحاب المبادئ ومن هم على استعداد للمساومة على كل شئ وبكل شئ مهما كانت قيمته. 

في هذا اليوم لم نقف امام جسد عارٍ ولكن وقفنا أمام الحقيقة العارية والتي هبت كريح قوية لم تصمد أمامها كل الأكاذيب.   

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

جروح دامية


منذ أن تفتحت أعيننا على الدنيا وما فيها لم تفارق مشاهد القتل والتدمير والتهجير الجارية على أرض فلسطين أعيننا ومخيلتنا يوما، كنا نتابع المؤتمرات والاتفاقات والمهاترات والسجالات التي يبثها الاعلام من كل حدب وصوب ، خطابات وأغنيات ، شعارات وأشعار ، ولم يتوقف الدم العربي عن النزف يوما. 
حتى استيقظنا يوما على فاجعة اكبر وبلاء أشد عندما وجدت الادارة الأمريكية أن مصالحها تقتضي دخول العراق والقضاء على أي مظهر حضاري فيه وتدمير بنيته بحيث لا تقوم له قائمة في القريب العاجل ، جرح اخر اشد وطأة ونزيف اخر جعل الصورة اكثر بشاعة ودموية. 
ثم امتدت الأصابع المخربة لتعبث بباقي اجزاء الجسد المنهك فتصنع جرح اخر في السودان تتركه خائر القوى ممزق الى اشلاء، وحتى الطبيعة تشارك بقسوتها فتصنع المجاعات وتنقل لنا مشاهد اكثر ايلاما وبشاعة من الصومال المبتلى بالجوع والقتل. 

لم نكن نتوقع أن نصحو يوما على قتل وسفك يومي للدماء بين أيدينا وفي شوارعنا ومياديننا ، وليس ذلك في حرب نخوضها ضد عدو أجنبي يقتحم بلادنا ، وليس ذلك من فعل كارثة طبيعية لا نملك لها ردا فنحاول تدارك أثارها راضين بالقضاء والقدر. 

ولكن ما يجعل الأمر أكثر قسوة وايلاما ووحشية أن يفعل ذلك من هم منك يحملون جنسيتك ومن المفترض انهم مؤتمنون على حياتك ، واجبهم حمايتك وحماية مصالحك واسرتك وبيتك ووطنك ، الأكثر قسوة وايلاما أن تجد من يدعون أنهم القائمين على حدود الله يجدون لنفسهم الحجج والمبررات للسكوت والرضا طمعا في مصالح خاصة ، متعلقين بكرسي مغمور حتى منتصفه بالدماء ، لن يكون لهم فيه قرار ولن يمارسون عليه سلطة. 

الأكثر قسوة وإيلاما أن تجد اللامبالاة تعود فتخدر العامة وتجعل من مشاهد القتل والسحل اليومية اشياء لا تستحق ان نلتفت اليها فالصراع من أجل رغيف الخبز وانبوبة الغاز استهلك طاقتنا والاعلام الموجه لا يكف لحظة عن ممارسة الشعوذة . 

كيف تضخم الفساد وتغول وأحكم قبضته الى هذا الحد الذي اصبح له كل هذا الجند المسخر لرعايته وحمايته وتغذيته ومحاولة الابقاء عليه بأي ثمن مهما كان فادحا . 
نحن لم نطلب الا العدل لماذا عزت هذه الأمنية الى هذا الحد وما هي الصعوبة الشديدة في فهم هذا المطلب؟ 

<<الثورة يصنعها الشرفاء، ويرثها ويستغلها الأوغاد.>>
"تشي جيفارا"