السبت، 10 سبتمبر 2011

الجدار وفقدان التواصل

يمثل كل انسان كيان مستقل بأفكاره وأحلامه وطموحاته وذكرياته، وكأن لكل انسان دائرته الخاصة والتي تتقاطع مع دوائر أفراد مجتمعه والمحيطين به فيفهم منهم ويفهمون منه بمقدار ما تتقاطع دوائرهم، وبمقدار ما يتيحون لبعضهم من فرصة للتقارب والتواصل واندماج الدوائر، بدون هذا الاقتراب والتواصل يتحول الأفراد لقوالب مصمتة يتصرف كل قالب منها بمعزل عن الأخر وبدون مراعاة لحدود وحقوق الأخر فيحدث الصدام وتبدأ الصراعات وتسوء الأمور. 
ينطبق ذلك على كل العلاقات البشرية بما فيها علاقة الحاكم بالمحكوم، فلو لم يكن ذلك الحاكم يحوز رضا معظم المحكومين ويتفهم احتياجاتهم ويكون على تواصل دائم مع نبضهم وإرادتهم والتيار الذي يسير فيه الرأي العام، يفقد هذا الحاكم أهليته للحكم.
فعندما يعترض الشعب بمختلف أطيافه على تولية أحد الأفراد لمنصب يرون أنه لا يستحقه ولديهم أسبابهم المنطقية والعقلانية ثم يصر الحاكم على توليته المنصب فهذا فقدان للتواصل.
عندما يكون هناك اهدار للمال العام واضح لكل ذي عين واستغلال للنفوذ وفساد يتم السكوت عليه بينما تفرض المزيد من الضرائب والأعباء على الطبقات المطحونة فيعلوا صراخهم دون أن ينصت أحد أو يتراجع عن فرض المزيد من الضرائب، فهذا فقدان للتواصل.
وعندما ترفض الغالبية العظمى من الشعب توريث الحكم لفرد خالي من المؤهلات ولا يتمتع بأي شعبية فيكون رد الفعل هو الاستمرار في تمهيد الطريق لوصوله للحكم وتكريس وسائل الاعلام وموارد الدولة لخدمة مشروع التوريث ، فهذا فقدان للتواصل. 
عندما يستجير الفلاحون بكل الجهات المسؤولة ان تهتم بمأساتهم في عدم توفر ماء الري وفساد البذور وارتفاع أسعار السماد واحتوائها على مسرطنات وافتقادهم للرعاية والاهتمام وهم عماد الدولة وأمنها الغذائي الذي يجب دعمه وتشجيعه  فلا يجدوا اذان مصغية ويروا الماء وقد تم تحويله ليسقي استراحات الكبار وملاعب الجولف، فهذا فقدان للتواصل. 
وعندما تفقد التواصل في امور مصيرية وتضع الشعب بين كفي الرحى فيصبح مطحون على كل الجوانب فأنت تبعث فيه قوة من ليس لديه شئ ليخسره ولا تكفي كل القوى القمعية في الوجود لايقافه وترهيبه والحد من اندفاعه فتحدث ثورة. 

لم يختلف الأمر كثيرا في أحداث السفارة الاسرائيلية، فقد صرخ الشعب وخرج غاضبا يعبر عن سخطه الشديد لمقتل جنوده على الحدود وانتظر طويلا لأي رد فعل مناسب من ساسته يحفظ له ماء الوجه ويشعره أن كرامته التي ثار من أجلها استردها أو استرد بعضا منها. فماذا كان رد الفعل !!  فقط مزيد من الحماية والرعاية للسفارة الاسرائيلية ، وجدار يذكرنا بجدار غزة على أراضي القاهرة ، بينما على الجانب الأخر نجد قرارت حازمة وحاسمة وقوية من الحكومة التركية المنتخبة التي تحترم مواطنيها عندما لم تنصفهم الأمم المتحدة ولم تعيد لهم حق ضحاياهم في سفينة مرمرة. 

ليس من المستغرب اذا أن يحدث ما حدث وبدلا من الاسراف في استخدام القوة ولوم شباب متحمس على اندفاعه ، لوموا من لم يقوم برد الفعل المناسب في الوقت المناسب لمنع التصعيد ، لوموا من صم أذانه وفقد التواصل مع صوت الشعب ورغبته في الشعور بكرامته الانسانية التي فقدها لعقود. 
لا يمكن أن تحكم شعب ضد ارادته وضد طبيعته ، قليلا من الفهم والتواصل والحسم يصنع فارق.