الاثنين، 30 مايو 2011

فن إخماد الثورات

كانت الصورة المنقولة من ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية والذي أعلن عن أختلافات جوهرية في الرؤى وتضارب في المطالب والأهداف ، وما سبقها من حملات إعلامية من مختلف القوى السياسية المصرية وما تلاها من تقارير متضاربة وآستنتاجات متفاوتة وغير مترابطة نموذج حي على وصول الثورة لمرحلة حرجة وغير مبشرة .
جعلني المشهد أتسائل ما الذي دفع العربة لهذا المنزلق الذي يجعل من الصعب التحكم فيها وفي مصيرها ويدوس على كل القيم والأهــداف التي قامــت الــثورة عليها وبـها ؟
والرد ليس بعسير حيث يمكن للمتابع أن يرى أن ما أوصل الأمور لما هي عليه هو التدافع الغير متعقل على جني ثمار لم تنضج بعد ولم يحن وقت قطافها ، هذا التدافع الذي يحركه وقود الأيديولوجيات المختلفة التي تتحكم في الشارع وفي النخبة السياسية  وحضرني تعريف عالم الإجتماع الشهير البروفيسور كارل منهايم Karl Mannheim للأيديولوجية في كتابه "الأيديولوجية والطوبائية" الذي نشره عام 1936 فيقول بأنها "الأفكار المشوهة التي تطلقها الطبقة الحاكمة لتحافظ على النظام الاجتماعي الحالي أو النظام الاجتماعي السابق أو هي التعبير الفكري لجماعة من الجماعات وهذا التعبير يساعدها على تحقيق أهدافها وطموحاتها" ، ويفسر هذا تسارع كل فريق منهم لإظهار حجم قوته وتأثيره في الشارع وقدرته على الحشد الجماهيري والتي تعني قدرته على التأثير في صنع القرار ، فمنهم من أستخدم قوته سلبا بالتشكيك في نوايا وأنتماءات الفئة التي خرجت للمطالبة باستكمال تنفيذ المطالب الأساسية للثورة وطالب أتباعه ومريديه بعدم الخروج أو الإشتراك بأي صورة من الصور في التظاهرة ، ومنهم من لم يكتفي بذلك وإنما وصل به العناد والتطرف حد الرضا بالأوضاع ورفض إستكمال أعمال التطهير والمحاسبة بحجة أنه يسعى للإستقرار ، حتى أصبح يتحدث بلسان أعضاء الحزب الوطني المنحل ويقبع معهم في نفس الخندق!!
عندما أشتعلت الثورة أذاب لهيبها الفوارق كلها وعندما كانت في عنفوانها وتسير في طريقها الصحيح لم يكن هناك رجل وامرأة ، لم يكن هناك  ليبرالي ، إخواني ، سلفي ، ماركسي  لم يكن هناك نوبي ، بدوي ، قروي ، جنوبي ، أختفت الفوارق تحت مظلة الأهداف الواحدة ، والمطالب المشتركة، عدالة ومساواة ، تطهير ومحاسبة ،  حرية شاملة تطول النقابات والجامعات والمؤسسات الإعلامية ، وتحرير للقضاء من أي ضغوط ، القضاء على البطالة، ورفع المستوى المعيشي ، والقضاء على غول الفساد.
فمن الذي استطاع في غفلة من الزمن احياء الصراع الأيديولوجي وتقويته وجعله سيد الموقف الأن، حتى تناسى الجميع الأهداف الأساسية وتفرغوا لتكفير وتجهيل وإنكار حق الأخر في الوجود؟

الخميس، 26 مايو 2011

هموم نسائية

في آستراحة العمل تجد النساء العاملات الفرصة مُهيٌئة لبث شجونهن ومتاعبهن وما يلاقينه من مشاكل يومية.
تتراوح أعمارهن ما بين العشرين والأربعين وتتفاوت أعمار أطفالهن ما بين رضيع ومراهق ، تختلف ألوانهن وحظوظهن من الجمال والمنصب ، تختلف جنسياتهن العربية ومستوياتهن الإجتماعية والمادية ولكن .. تتشابه شكاواهن وحكاياتهن فما يحملنه من أعباء يؤثر فيهن ويسبب لهن الكثير من القلق والحزن، فبالرغم من مجهودات المنظمات المدافعة عن حقوق  النساء العربيات لسنوات وعقود وبالرغم من التغيرات التي لا يمكن إنكارها والتي طرأت على تفكير المرأة وثقافتها في العصر الحالي وأرتقاء مستواها التعليمي والوظيفي ، إلا أن ذلك لم يصحبه تغير إيجابي حقيقي في شخصية الرجل العربي وموروثاته والحقوق التي يدٌعيها ويقرٌه عليها المجتمع من حوله ، والنتيجة أن تضاعفت مسؤوليات المرأة مقابل حصول الرجل على حريات أكبر ومسؤوليات أقل ، وأصابته درجة من الإزدواجية في تصرفاته ومفاهيمه تحتاج لدراسة وعلاج، فبينما هو لا يجد أي غضاضة في تقبل ما تنفقه زوجته على المنزل بل يجد أن ذلك شئ طبيعي وأنها تعمل ومن واجبها أن تنفق من دخلها حتى لو كان دخله غير كافي لإحتياجات المنزل والأسرة وكان عملها هذا ضروري لإستمرار الحياة وليس مجرد شغلا لوقت فراغها، تجده يشعر بالضيق الشديد في حالة تعرض لموقف يتضح فيه للأخرين أن الزوجة تتحمل العبئ المادي الأكبر وتجده يتعالى على المهام والأعمال المنزلية ويعتبرها تنتقص من رجولته ، وقد يرفض الكثير منهم المساعدة في رعاية الأبناء بحجة أن هذه أعمال نسائية بحتة لا يجب أن يتورط هو فيها.
باختصار تنازل أدم عن مسؤولياته ولم يتنازل عن حقوقه ، وتقبلت حواء المزيد من المسؤوليات ودفعت الثمن من راحتها وأعصابها وحياتها ، وبينما ترتفع طموحاتها وتزداد تطلعاتها لحياة أفضل لها ولأبنائها تزداد لامبالاته وتقتصر أحلامه على الحصول على أكبر درجات الراحة والرفاهية الشخصية ، فهو يريدها عاملة صباحا تتحمل الأعباء المادية ، وربة منزل في المساء تقوم برعاية المنزل والأطفال وحبيبة ليلا لتدليله وتنفيذ رغباته ، ودون أن تحصل هي على أدني تقدير أو تفهٌم لإحتياجتها أو الشعور بما تتحمله وتكنه من أحاسيس تؤرٌقها وترهقها.
ولأن عملي يفرض على متابعة أزواج من كافة الجنسيات ، أجد نفسي لا أستطيع تجنب عقد مقارنة ما بين الزوج الغربي والزوج الشرقي في تعاطفه مع زوجته ورعايته لها ، فبينما يشد الغربي على يد زوجته ولا يفارقها في كافة مراحل الحمل ويصر على التواجد إلى جوارها وقت الوضع ، تجد الشرقي لا يهتم إلا بنوع المولود وحساب المستشفى ، ولا أنسي سيدة كانت بحاجة للدماء وطلبت من زوجها التبرع لها فتعلل بأنه سيذهب للعمل لأخذ الإذن بالتواجد الى جوار زوجته ، بينما هي أمسكت يدي وهمست لي .."لن يأتي لا تتعبي نفسك" ولم يخيب هو ظنها فلم نراه مرة أخرى وحتى خروجها سالمة من المستشفى!
فهل يمكن أن يتخلص الشرقي من أنانيته ويتحمل مسؤولياته قبل أن يطفح الكيل بحواء؟

الأحد، 22 مايو 2011

إعلامنا الذي لم تصله الثورة

تحول الإعلام في عصر تكنولوجيا المعلومات لقوة دولية مؤثرة على كافة الأصعدة وفي كافة المجالات ، ولم يعد الأمر قاصر على نقل الأخبار أو الأحداث اليومية التي يتعرض لها البشر حول العالم ، ولكن أستطاعت المؤسسات الإعلامية أن توجه الأنظار وتقدم توعية حقيقية شاملة بالكثير من المخاطر وتعرض أثار ذلك على المشاهد العادي وتقرب له المسافات بحيث يستطيع إنسان عادي معرفة حجم المخاطر التي يسببها الإحترار العالمي ويرى بعينيه ذوبان الجليد في الأقطاب وتأثير أرتفاع درجة الحرارة على الكائنات الحية وكيف أن ذلك أصبح يهدد العديد من الكائنات في بيئتها ويعرضها لمخاطر الإنقراض.
ويشكل ذلك نوعا من الضغط و التنبيه لمن بيدهم صنع القرار لفرض قوانين تحد من التلوث وتمويل الأبحاث التي تدرس وجود مصادر بديلة للطاقة ووسائل للتعامل مع النفايات والإنبعاثات لا تضر بالبيئة.
أو يقوم بتوضيح حجم الكارثة التي تعرض لها الناس في منطقة من الأرض ككارثة تسونامي التي أصابت اليابان أو إندونيسيا سابقا ، يجعلك الإعلام تعيش مع الناس المأساة لحظة بلحظة ، فيفتح ذلك المجال للعمل الإنساني والتطوعي للقيام بدوره وتدفع الكثير من الناس للمشاركة أو إقتراح حلول تخفف من المأساة أو تقديم تبرعات ومعونات ترفع المعاناة عن المنكوبين.
ويستطيع الإعلام إيصال أصوات المقهورين والذين نالهم القمع أو تضرروا من الصراعات الطائفية والعرقية المسلحة فتشكل أصواتهم قوة ضاغطة على المجتمع الدولي لإتخاذ قرارات وإجراءات تساهم في وضع حد لتلك الصراعات وإرسال المساعدات وأعمال الإغاثة اللازمة للإبقاء على حياتهم.
وتساهم وكالات الفضاء ومراكز البحوث العلمية بشكل كبير في إعطاء صور وبيانات هامة تمكن المشتغلين في اعمال الإغاثة الإنسانية من القيام بدورهم بدرجة أكثر كفاءة ، فبإمكانهم إعطاء بيانات عن الأماكن المتضررة بدقة وحجم الضرر المحتمل وأعداد البشر المتضررين.
وفوق ذلك يستطيع الإعلام أن يكون شاهد يوثق لجرائم الإبادة الجماعية ويسمح للناجين بمقاضاة مرتكبي الجرائم دوليا وإدانتهم كما حدث في كوسوفو حيث أمكن تصوير وإثبات وجود مقابر جماعية أدت لمحاكمة سفاح الصرب سلوبودان ميلوسوفيتش أمام محكمة لاهاي الدولية في اتهامات بجرائم ابادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية والذي راح ضحيته قرابة 300 ألف قتيل وتم تهجير قرابة 750 ألف شخص وأستمرت محاكمته قرابة أربعة سنوات حتى لقى حتفه في محبسه.
وأستطاع الإعلام الغربي متابعة ومواكبة أحداث وتطورات الثورات والإنتفاضات في البلدان العربية بينما غاب تماما ما يطلق عليه الإعلام العربي باستثناء قناة الجزيرة وبعض المواقع الإلكترونية الهامة عن تغطية الأحداث، وأنكشف عار إعلامنا العربي وعواره بدرجة مهينة ومخزية فلم تتوقف صحفنا وقنواتنا الفضائية المتعددة ، الحكومية والحكومية المستترة عن بث الأكاذيب وتشويه الحقائق وتضليل المشاهدين بروايات وصور لا تمت للحقيقة بصلة ، فبالرغم من حجم الإنفاق الذي كان ولا يزال ينفق عليه وبالرغم مما تتكبده ميزانية الدولة من أجل تحقيق الإستمرارية له فقد حولته التبعية المطلقة للسلطة وتفشي الفساد في منظومته الى كيان هش غير ذات مصداقية ، وأصبحت مهمته التضليل والتجهيل عوضا عن المهام الأصلية للإعلام والتي تتمثل في التوعية والتنوير.
قد يدعي البعض أن هناك تغيير طرأ على الإسلوب الذي أصبح الإعلام يتناول به القضايا العامة والحيوية بعد الثورة ، ولكن لا يرقى هذا التغيير لأن يجعل منه إعلام ذات مصداقية ، فمازال يسير في الخطوط المرسومة له دون أن يجرؤ على الخروج عنها ومازال يمارس أساليب التضليل والتغييب ومازالت الطواقم العاملة به هي طواقم كانت معايير توظيفها للعمل هي الوساطات والمحسوبيات وليست الكفاءات.
أعتقد أن إعلام الدولة يمكن اعتباره مؤشر جيد على حالتها فهومقياس لمستوى الشفافية والحريات السياسية والثقافة الإجتماعية التي تتمتع بها الدولة حكومة وشعباً، فعندما يكون لدينا إعلام قوي ومهني ومؤثر يملك القدرة على مناقشة كافة القضايا الهامة بلا خوف ولا تدليس سأعرف أن الثورة حققت أهدافها.

الثلاثاء، 17 مايو 2011

الجريمة والعقاب

العقاب أحد البديهيات التي تستقيم بها الحياة فوجوده يعطي الأمل لمن تم الإعتداء عليه أو أنتهكت حقوقه بأنه سيرى يوما ما من أذاه يذوق الألم ويعرف معنى العذاب ، وهو رادع لمن تسول له نفسه التعدي على حقوق الأخرين ونيل ما ليس له فيه حق ، ولم تخلو الروايات والمثيولوجيا قديما وحديثا من ذكر للخطايا التي يصنعها البشر وكيف أن المخطئ يلاقي عقوبته الربانية في النهاية، فلابد للمخطئ من عقاب ولابد للطيبين من مكافئة فهذا يشعر السامعين والقارئين بحالة من الرضا والراحة ، وان كانت الحياة لا تسير دوما على نفس المنوال فقد يعيش الإنسان ويموت مسلوب الحق مهدر الحقوق وينال الظالمون كل أسباب العزة والرفعة والرفاهية.
عندما تختل موازين العدالة ويسمح النظام القائم للجاني أن يفر بلا عقوبة تبدأ أركان الدولة في الإنهيار وينتشر الفساد وتسود الفوضى فمن تعرض للظلم قد يفعل أي شئ مقابل نيل ما يعتقد أنه حقه وقد يستخدم في ذلك وسائل غير مشروعة فيصبح جاني ومجني عليه في أن واحد ، أو قد يجعله الظلم يكفر بالقيم وينجرف في تيار الفساد ، إذا أردت لدولة أن تنهار فابدأ بالعبث بمنظومة العدالة ، حيث تطول اجراءات التقاضي وتتدخل السلطة والرشوة والمصالح في سير العملية وحتى إذا نال المظلوم حكم نهائي بعد سنوات من العذاب لا يجد من ينفذ له الحكم فيصبح ما ناله لا يتعدى كونه حبر على ورق.
هذه الإجراءات العبثية هي تحديدا ما جعل الفساد ينتشر ويتسرب لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة وحتى أصاب الحياة الإجتماعية بخلل شديد من الصعب علاجه ، وليس بخفي على الجميع أن الفساد كان من أهم أسباب قيام الثورة ، وأجتثاثه ومحاسبة المسؤولين عنه مطلب من أهم مطالب الثورة اذا لم يتم بشكل سريع وعادل ومُرضي بلا التفاف ولا مجاملات فإن ذلك سيفتح الجروح التي لم تندمل ويهيج نفوس شعب عاني من ويلات الظلم والقهر لعقود.
وإذا كان العقاب هام وضروري في الجرائم الفردية والتي تعرض فيها أشخاص محدودون للظلم فإن العقوبة تبدو حتمية لاجدال فيها عندما يكون الضحية شعب كامل أنتُهكت أرضه وحضارته وثرواته وحياته ومستقبله وصحته وكرامته وحتى أن حياته لم تحظى بالقدسية التي أحاطها الخالق بالحياة لكل مخلوقاته.
خسائرنا لم تكن أموال ضاعت أو سرقت ، خسائرنا أكبر وأعمق ، ولا يوجد في قانون العقوبات عقوبة تكفر عن الجرائم التي أرتكبها النظام السابق في حق مصر وشعبها فهناك أشياء كما قال شاعرنا الرائع أمل دنقل .. لا تشترى .
لا تصالح!
.. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى؟..
هي أشياء لا تشترى..

الجمعة، 13 مايو 2011

الإنكار

عندما يواجه الإنسان بشئ يفوق إحتماله كموت عزيز أو معرفته بإصابته بمرض خطير أو مرض إنسان أخر يهتم بأمره كثيرا يلجأ في كثير من الأحيان لتقنية دفاعية تعمل كحاجز بينه وبين ما لا يستطيع مواجهته  هذه التقنية الدفاعية تعرف بالإنكار، ولأن الكثير من البشر يلجأون لهذه التقنية الدفاعية في مرحلة ما في حياتهم فقد أصبح من المنطقي أن نأخذها في الحسبان عند التعامل مع الناس في المواقف الحرجة وحتى أنها أصبحت أحد الخطوات التي يجب على الطبيب العمل عليها عند تعامله مع المرضى ، فعندما تضطر لتبليغ زوجين دخلا مرحلة الأبوة منذ زمن قصير وجائهم ضيف صغير أنتظراه بشوق وأمل فترة الحمل وأستعدا لولادته وتمت عملية الولادة بنجاح ، عندما تخبرهما بأن الطفل يعاني من مرض أو عيب وراثي سيؤثر على حياته ، يجب أن يكون لديك الإستعداد لتقبل إنكارهما لهذا ورفضهما لتشخيصك ولجوئهما لأخرين ليؤكدوا لهم التشخيص ، فليس من السهل تقبل أن يأتي الحلم منقوص أو مشوه وليس من السهل على البشر مواجهة الفقد وأنتظار الألم والمعاناة القادمة .
إذا فالإنكار أحد ردود الفعل البشرية المعروفة والتي قد تظهر كرد فعل فردي على مشكلة شخصية أو حتى رد فعل جماعي في حالة وقوع مجتمع بالكامل تحت ضغوط وتضليله إعلاميا لسنوات طويلة حتي أنك تذهل عندما تقودك الظروف للحوار مع أحد المنكرين والذي قد يعميه الإنكار عن كوارث تحيط به من كل جانب يرفض التعامل معها ومواجهتها حتى تستفحل وتنفجر أمامه وربما يسوقه هذا لإستخدام التبرير كسلاح دفاعي أخر يغطي به قصوره وما أكثر أسلحة النفس الدفاعية المضللة.
وليس أبلغ من العبارة الإنجليزية القديمة لوصف حالة الإنكار والتي تقول:
Denial is more than just a river in Egypt
والتي طالما أثبتت صدقها على أرض الواقع في السنوات الماضية ، وجعلتني أتسائل بعد قيام الثورة هل الناس أتفقوا على التوقف عن تجرع ماء هذا النهر المضلل يوم 25 يناير؟ أو هل جفت مياهه فجأة ؟ حتى تبين لي أن هذا النهر الملعون تمتد روافده في جنبات الوطن العربي وما فعله أنه أتخذ من الأراضي السورية موطنا جديدا ، فحالة النكران التي آنتابت رموز النظام السوري ومؤيديه تفوق الوصف وتتحدى العقل والمنطق ، فهم ولسنوات طويلة يعيشون في وطن أشبه بكهف أفلاطونى تمتنع عنهم فيه وسائل الإتصال بالعالم الخارجي وكأننا مازلنا في عصور الستينات حيث لا يسمع الناس غير صوت النظام ولا يروا إلا ما يراه النظام فإذا قال لهم نظامهم أن الديمقراطية كفر فهي كفر وإذا قال لهم أنه وحده الممانع الصامد الذي يحمي الديار فهو كذلك ، وإذا قال لهم أن ألاف المواطنين الذين يتم تعذيبهم والتنكيل بهم وحتى إبادتهم هم إرهابيين وعملاء ومأجورين ومغرر بهم ، تجدهم يؤمنون على ذلك ويطالبونه بإبادتهم غير مأسوف عليهم ، ومهما حاولت أن تسمعهم أصوات العالم من حولهم لا يستمعون ولو أستمعوا لا يصدقون ، هل العالم كله كاذب وإعلامكم وحده الصادق؟ إذا كان نظامكم صادق فلماذا أغلق الأبواب وحاصر المدن ومنع كل الحقوقيين والمنظمات الدولية والإعلاميين من النقل والمتابعة؟  لماذا يداعب الغرب كما فعلت وتفعل النظم الديكتاتورية المماثلة بالتلويح بسيف الإسلاميين وبكونهم البديل الوحيد عنهم والذي يحفظ للكيان الصهيوني أستقراره وأمنه! بل وكيف يتفق تصريح رامي مخلوف مع الإدعاء بالممانعة ودعم المقاومة!
  بل كيف يمكن أن يدعي أحد أنه أختار بمحض إرادته نظام ديكتاتوري يستأثر فيه الحزب الواحد بالوطن ومن فيه ويقوم بتوريث الحكم رغما عن أنف الدستور والقانون ونظام الدولة الجمهوري؟
في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة وسنرى هل سيستطيع من خرجوا من الكهف وطالبوا بالحرية أن ينقلوا للأخرين ما رأوه تحت ضوء الشمس أم سيكتب عليهم أن يختنقوا بأحلامهم ويقبعوا مع القابعين في الكهف.

الاثنين، 9 مايو 2011

نحو أنتخابات نزيهة

تشكل نزاهة الإنتخابات هاجس للسياسيين والناخبين الواعين على حد سواء فهي خطوة من أهم الخطوات نحو إقامة حياة ديمقراطية سليمة تقوم على العدالة والمساواة وإحترام حق الفرد في اختيار من يمثله ، ولا يخفى على أحد الأساليب البدائية التي يتم استخدامها في الدول العربية والتي يمكن وبسهولة شديدة التحايل عليها وتغليب أفراد بعينهم على عكس إرادة الناخبين وضد الإرادة الشعبية ،  حتى أن نسبة كبيرة جدا من الجماهير كانت قد أحجمت بالكامل عن المشاركة الإنتخابية وأثرت الإحتفاظ بصوتها لنفسها في ما يمكن أن ندعوه تصويت سلبي بعدم الثقة في الحكومة والنظام القائم برمته. وليس من الغريب أن يكون إهتمام الإنسان بالإقتراع قديم قدم التاريخ ذاته فقد سجلت أثينا مهد الدولة المدنية  أول التجارب الديمقراطية وعرفت أهمية التصويت ورأي الأغلبية في صناعة القرار وأستخدموا أحجار بيضاء للتصويت ب "نعم" وأحجار سوداء للتصويت ب "لا" بينما سجلت الحضارة الفرعونية تجارب بدائية للتصويت باستخدام قطع الفخار عليها علامات تدعى "أوستراكا".
وتمر السنون وتغزو التكنولوجيا الحديثة معظم الأنشطة البشرية تقريبا وليس بغريب أن يطال التطوير أساليب التصويت وتقتحم التكنولوجيا العملية الإنتخابية خاصة في الدول التي تعرف قدر الصوت وتهتم بإبراز رأي الأغلبية وإحترام الإرادة الشعبية وحق الشارع في المشاركة في صنع القرار.
أول براءة إختراع تم تسجيلها بخصوص أجهزة الإقتراع كانت للعبقري إديسون قبل 142 عام في 1869 ميلادية، ولكن لم يلتفت أحد لذلك ولم تتطور الأجهزة فعليا إلا في سبعينيات القرن الماضي.  وهناك تجارب متميزة رائدة أستحقت أن تشكل مثل يحتذى به من قبل الديمقراطيات الناشئة . فالبرازيل على سبيل المثال بدأت آستخدام التقنية منذ التسعينيات وقامت بتجربة العديد من الأنظمة حتى أستقرت أخيرا على آستخدام نوعية محددة من الأجهزة منذ عام 2000 وأستطاع النظام المستخدم التعامل بكفاءة عالية مع عدد الناخبين البالغ 106 مليون ناخب.
وفي أمريكا تم أستخدام العديد من التقنيات في العديد من الولايات وتم دراسة عيوب ومميزات الأجهزة المستخدمة باستفاضة شديدة فقد تم أستخدام الأجهزة الحساسة للعلامات والتي تعتمد على مسح ورقة التصويت ألياً لبيان مكان العلامة في الأشكال الدائرية أو البيضاوية التي تمثل الإختيارات المتاحة، كما تم آستخدام الألات ذات الزراع وبطاقات التثقيب وصولا للأجهزة الأحدث والأدق حى الأن والمعروفة بالأجهزة ذات التسجيل المباشر direct record electronic - DRE  ولم تخلو هذه الألات الحديثة أيضا من العيوب الصناعية والتقنية بالرغم من محاولة الولايات المختلفة وضع قواعد ومواصفات عامة لها لتنفيذها من قبل الشركات المنتجة لها .
ونأتي للتجربة الهندية وهي تجربة أيضا لا يمكن إغفالها فليس من السهل التعامل مع أصوات بعدد الناخبين في الهند . فقد أنتجت الهند جهاز إلكتروني للتصويت   Electronic Voting Machine  وتم أعتماده وأستخدامه في الإنتخابات الهندية منذ عام 1989 - 1990 يستوعب الجهاز الواحد قرابة ال 3840 صوت وهي رخيصة الثمن ويمكنها العمل على بطاريات الشحن لإستخدامها في المناطق النائية بكفاءة ويمكن لهذه الأجهزة الإحتفاظ بنتائج الإنتخابات لمدة تصل لعشرة سنوات.
وبالرغم من أن الأجهزة الحديثة تقلل كثيرا من إحتمالية الخطأ والتلاعب ، إلا أنها لا تستطيع إلغاء ذلك بالكلية فمازال هناك العديد من المشكلات التي قد تواجه المستخدمين منها المستوى الثقافي والتعليمي والذي قد يقف حجر عثرة أمام نسبة كبيرة من المصوتين في البلدان النامية مما يستوجب معه وضع أنظمة سهلة الإستخدام وواضحة للجميع وكذلك ضرورة تدريب المشرفين على العملية الإنتخابية على هذه الأجهزة ليمكنهم إدارة الإنتخابات بكفاءة وعمل رقابة صارمة على جميع خطوات الإقتراع لتأمينها من عمليات الإحتيال ، والأهم أن يتمتع الناخبين بدرجة من الوعي والثقافة لمعرفة أن صوتهم يساوي مستقبلهم ومستقبل أبنائهم لذلك هو لا يقدر بثمن. أتمنى أن تدخل بلادنا عصر التصويت الإلكتروني وعصر الديمقراطية الفعلية بعد ما عانيناه من ويلات في عصور الإستبداد.

الخميس، 5 مايو 2011

السباق الأخير

سنوات طويلة هي سنوات الصراع الأفريقي، وملايين هم من قضوا نحبهم أو تم تشريدهم كنتيجة حتمية لهذا الصراع الدموي ، وكأن القارة السوداء وسكانها على موعد مع الشقاء والتعاسة فلا يكفي ما يعانونه من فقر وجدب وسنوات جفاف حتى أشتعلت العديد من الصراعات في جنبات القارة بداية بجروح السودان النازفة في الجنوب وفي دارفور والتي لم ولن يحلها الإنفصال بشكل جذري وإنما قد يفاقم الحالة ويزيدها سوء بوجود طرفين على أهبة الإستعداد دائما لإشعال حرب جديدة، والصراعات الأثيوبية - الإريترية والصراعات بين بوروندي وأنجولا  والصراعات بين ليبيريا والصومال والمذابح الرواندية البشعة التي صنعها الخلاف الإثني بين قبيلتي الهوتو والتوتسي ، والصراعات النيجيرية ، تحير الباحثين عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الصراعات التي لا تنتهي ولا تهدأ فالبعض يعزي ذلك للإثنيات المتعددة التي ينحدر منها القبائل والعائلات في أفريقيا والبعض يعزوها للصراعات الطائفية والدينية والبعض يرجع ذلك للفقر ونقص الموارد والذي جعل الكثير من الصراعات تقوم على محاولة السيطرة على المناطق والأقاليم الغنية والتي تتمتع بوجود ثروات طبيعية من المواد الخام أو الثروات الحيوانية أو الأراضي الخصبة والموارد المائية. لا ينكر أحد أن العوامل الإقتصادية والفقر قد تكون أهم عوامل الصراع فهي صراع على البقاء وهذا النوع من الصراعات هو الأكثر دموية على الإطلاق، فهل القارة الأفريقية هي بالفعل فقيرة في الموارد لدرجة أن يموت فيها البشر جوعا وفقرا ومرضا ؟
أفريقيا تنتج 78% من المنتج العالمي من الألماس وتملك حوالي 27% من الإحتياطي العالمي من الحديد 72.5 % من إنتاج الذهب العالمي، تضم دول من أكثر الدول إنتاجا للبترول في العالم منها نيجيريا وليبيا والجابون والجزائر والصومال، أفريقيا غنية باليورانيوم والنحاس والقصدير والبلاتين، أفريقيا لديها ثروة من الأحجار الكريمة الأروع والأكثر تفردا على وجه الأرض من عقيق وزبرجد وفيروز ، في أفريقيا تتمتع دولة مثل السودان بمساحات شاسعة من الأراضي الخصبة ولديها ثروة حيوانية تحتاج للرعاية والتنمية ، أفريقيا لديها مساحات فريدة من الغابات الإستوائية وهناك العديد من الثروات الظاهرة والمخفية تجعل من غير المنطقي وصول القارة الأفريقية لهذه الحالة المأساوية من الفقر والجهل والمرض والصراعات التي تصل حد الإبادة الجماعية ، ولكن إذا نظرنا للحكومات المهيمنة على الدول الأفريقية وحجم ما أستشرى فيها من فساد ، وإذا بحثنا عن المستفيد الحقيقي من الثروات والخامات الأفريقية والذي يستنفد ثرواتهم مقابل توريد أسلحته لهم والتي يفنون بها بعضهم البعض سيصبح كل شئ فجأه مفهوم ومنطقي بل أن الأمر يصبح  نموذج عن مدى الإنهيار الذي قد تصل إليه دول الشرق الأوسط إذا سارت على نفس النهج - وهي وحتى الأن تسير بالفعل - فنفس الوسائل التي أتبعها الإستعمار الغربي في أفريقيا تستخدم في دول الشرق الأوسط . فساد حكومات ونهب منظم يؤدي بالضرورة لتفشي البطالة وأنتشار الفقر ومع تأجيج الصراعات الطائفية والعرقية تتحول المطالب المشروعة في الحياة والوجود لحرب تهدف لإبادة الأخر وإخراجه من حيز الوجود بينما يستمر نزيف الثروات الطبيعية في الخروج لخدمة السيد الغربي ويستمر أصحاب الثروات في الإعتماد على ما ينتجه هذا السيد ويجود به من حين لأخر نظير الولاء والتبعيه، بل أنه كتب على هذه البلاد المبتلاه أن تعاني أيضا من نتاج التلوث الناتج عن الصناعات الثقيلة التي تساهم في تقوية شوكة الغرب وتزيد في عزتهم وهيمنتهم فهذا التلوث والذي ساهم كثيرا في الإحترار العالمي سيؤثر بشكل كبير على ملايين البشر وخاصة الذين يعيشون على السواحل وهم يمثلون نسبة كبيرة من البشر تقدر بحوالي 10% من إجمالي سكان الكوكب فمستوى سطح البحر في إرتفاع مستمر والأعاصير المدارية إزدادت قوة والتربة تفقد رطوبتها بفعل الحرارة والجليد يذوب في الأقطاب والتقديرات الحالية تؤكد أن الكثير من المناطق الأفريقية تعاني من الجفاف مما يضطر الكثير من السكان للنزوح لمناطق أخرى فيصبح هؤلاء في حالة فرار دائم من عدو قد يكون الجفاف وقد يكون الصراعات المسلحة .
وكأن هؤلاء تم تغييبهم ودفعهم إلى سباق نحو الفناء ، متى يستفيق هؤلاء المغيبون ويدركون أن الحل السحري هو في شيئين "محاربة الفساد" و "التنمية" فالموارد تكفي الجميع ولكن أن نعرف كيف نديرها هذا هو الذي سيحدد مصيرنا على هذا الكوكب الذي لاقى أهوال في مئة عام أكثر مما لاقى في تاريخه الحافل الموغل في القدم.