الثلاثاء، 25 يناير 2011

الإسقاط Projection

أول من قام بتوصيف هذه الحالة وإطلاق تسمية عليها هو عالم النفس الأشهر سيجموند فرويد حيث عرف الإسقاط النفسي بأنه ميكانيكية دفاعية للنفس البشرية لحمايتها من القلق الناجم عن الشعور بالذنب والذي يعانيه الإنسان بسبب الأفعال الشريرة والرغبات الغير مشروعة والأحاسيس السيئة التي يحاول إخفائها على الأخرين.
عندما يستخدم الإنسان هذه الألية تصبح سلاح مشهر في وجه الأخرين يصيبهم بالذهول والتشتيت ، فكل ما يعرفونه عنه ويرونه رأي العين فيه يجدونه موجه لهم منه بكل شراسة وعنف فلا يملكون ردا أو شرحا ولا يجدون منطقا في الحوار الدائر يردون به عليه فكل ما سيجنونه هو الصراخ المتبادل وتضييع الوقت والجهد بلا طائل .
وهناك الكثير من الأمثلة التي تدعو للعجب فعندما يتحرش رجل بامرأة فتقوم هي بنهره فيتهمها بكل وقاحه بأنها هي من تحرشت به وتقربت منه ، أو عندما يتهم الفاسدون والخونة والعملاء كل من يعارضهم بالخيانة والفساد والعمالة بالرغم من ثبوت الجرم في حقهم بشكل يستحيل أن ينكره من لديه بصر أو بصيره.
أو على سبيل المثال ، عندما يشعر أحد الأشخاص بكرهه للأخر فيقنع نفسه أن الأخر هو الذي يكرهه ويكن له السوء. 
وتتعدد الوسائل الدفاعية التي تستخدمها النفس البشرية وتتنوع بشكل مذهل فهناك من يعتمد الفكاهة والسخرية كوسيلة لتجنب اللوم ودفع القلق وهناك من يستخدام الإنكار أو العزلة أو التعويض النفسي أو التسامي والتعالي ، ولا تعدم النفس الوسائل الدفاعية .
فالإنكار على سبيل المثال يخلص البعض من عناء التعامل مع المشكلات الحقيقية ومواجهتها ، والمُنْكِر تصور له نفسه أن الأمر في غاية البساطة "إذا أعتقدت أن المشكلة غير موجودة فهي غير موجودة بالنسبة لك".
هذه الحيل النفسية وبالرغم من قدرتها على تخدير مواضع الألم وتسكينها إلا أنها تتسبب لأصحابها في نوع من العزلة الإجتماعية وتفصلهم عن الواقع والحياة الحقيقية.
وقد يفسر لنا ذلك الكثير من التناقضات التي نراها ونستشعرها بشكل يومي بين ما يعتقده بعض الناس عن أنفسهم ويصدقونه ويؤمنون به وما يعرفه عنهم الأخرون.

قمة الكذب والخداع ............. خداع النفس. 

الخميس، 20 يناير 2011

عذاب الذل وعذاب الحريق Suicide by burning

يعي الإنسان خطورة النار في سن مبكرة فمجرد الإقتراب منها لدرجة غير أمنة يثير النهايات العصبية بدرجة تنبه الجهاز العصبي وتنشر تحذير شديد لأجهزة الجسم باتخاذ رد فعل سريع وفوري للإبتعاد عنها ولذلك فخوف الإنسان من النار خوف طبيعي ومفهوم ولا يختلف عليه عاقل راشد ، وحتى أن الخالق يخوف عباده بعذاب الحريق فلا يوجد أكثر تخويفا وأشد بشاعة من الحريق. 
ولذلك يصنف العلماء الإنتحار حرقا بأنه رد فعل عنيف جدا ومبالغ فيه ولا يمكن فهم أسبابه ودوافعه بشكل واضح أو معقول. 
فحتى اليائسون من الحياة يبحثون عن أساليب أخف وطأة وأقل ألما للإنسحاب بهدوء منها ، والذين يريدون مجرد لفت إنتباه الأخرين لهم وتلقي بعض الإهتمام والتعاطف والدعم سيستخدمون طرق تمكن الأخرين من التدخل في الوقت المناسب لإنقاذهم ، أما الذي يدفع الإنسان لإراقة مادة سريعة الإشتعال على جسده وإشعالها فهو نوع من الغضب المتفجر والإحتجاج الصاخب والذي قد يكون نتيجة لقهر وإحباط لا يحتمل أو مرض نفسي شديد ولا يمكنني أن أتصور مدى ما وصل إليه هذا الإنسان من شعور بالغضب واليأس والإحباط والألم والذي جعل النار بالنسبة له أكثر أمانا ورحمة من الدنيا وما فيها ففي الغالب لا يتم إنقاذ هؤلاء فجسد الإنسان لا يحتاج لأكثر من خمسة دقائق ليشتعل بالكامل في حالة إستخدام مواد بترولية سريعة الإشتعال وحتى الناجون سيعانون ما بقي لهم من عمر من الأثار النفسية والجسدية للحريق.
وما كان حرق بو عزيزي لنفسه إلا ثورة على الظلم وإهدار أدميته وكرامته وهي الثورة التي أمتدت وعمت أرجاء تونس الخضراء المسالمة المحبة للحرية والتي بعثت الأمل في نفوس باقي الدول والتي يعاني أبنائها من نفس الظروف بدرجات متفاوتة بأن الحل ليس بعيداً وأن التغيير ليس مستحيلاً وبالرغم من أن بوعزيزي كانت لحياته مقابل وقيمة كبيرة لدى أبناء شعبه فمن سار على نهجه من أبناء الشعوب المقهورة لم يجني سوى العذاب والأسى ولم يحرك ألمه وصرخاته الرؤوس الهاجعة والقابعة في القصور وإنما فقط حرك سيل من فتاوى التحريم والتجريم وأوجد مجال واسع للمحللين والأطباء النفسيين وألاف الموضوعات الصحفية والبرامج الفضائية والعديد من ألوان وأشكال الصخب والتي تضيع فيها صيحات وصرخات القهر والذل.
من يطفئ المحرقة؟

الجمعة، 14 يناير 2011

أمراض متوطنة Endemic Diseases

أعلنت منظمة الفاو إنحسار موجة إنفلونزا الطيور بفضل الجهود الدولية التي بذلت لمحاربتها من الكثير من الدول وأستثنت من ذلك خمسة دول توطن فيهم المرض وهذه الدول هي مصر وإندونيسيا والصين وبنجلادش وفيتنام ، كما أعلنت منظمة الصحة العالمية إنتهاء وباء إنفلونزا الخنازير من العالم ولكنه وكالمعتاد لم ينتهي من مصر وإن توالت تصريحات وزير الصحة التي تؤكد أن المرض وبالرغم من عودة نشاطه وسقوط بعض الضحايا به فهو لم يتوطن في مصر.
هذان الخبران جذبا إهتمامي لحقيقة لم أنتبه لها من قبل ألا وهي أن الكثير من الأمراض التي تدخل مصر تجد لها أرض خصبة فتبقى وتتوطن وتسكن أجساد أبنائها لمئات وألاف السنين دون أي أمل في فنائها وإن فنت في دول العالم أجمع .
فعلى سبيل المثال توطنت ديدان البلهاريسيا في أراضي وأجساد المصريين منذ عهد الفراعنة قبل 5000 سنة وتم توصيف المرض في بعض البرديات  وحتى الأن فأعداد المصابين به من أبناء الشعب المصري مازالت تبعث على القلق وذلك ما تؤكده أحدث دراسة قامت بها جامعة مانشيستر بالإشتراك مع منظمة الخدمات الصحية الدولية بولاية فرجينيا بأمريكا والذين أكدوا أن العلماء قد عثروا على بقايا من بويضات البلهاريسيا على جدار الأمعاء والمثانة فى مومياوتين فرعونيتين يعود تاريخ إحداهما الى عصر الأسرة 20 فى القرن التاسع قبل الميلاد وبالرغم من مرور ألاف السنين فالمرض لم يعلن الرحيل ومازال العديد من الأشخاص يقعون ضحايا لديدانه الفتاكة بشكل يومي.
 ولا يمكن الحديث عن البلهاريسيا دون ذكر الفاشيولا أو الدودة الكبدية فكلاهما تعدان من أخطر الأمراض الطفيلية في مصر وتأثيرهما على الكبد مخرب.
بالإضافة للفيروسات الكبدية التي تنوعت وتحورت وتشكلت وأصابت كافة أنواعها أكباد المصريين وتسببت في إرتفاع معدلات الإصابة بأورام الكبد بنسب غير مسبوقة ، ناهيك عن ديدان الإنكلستوما والتي أختفت تقريبا من دول العالم وديدان الإسكارس والدودة الشريطية والديدان الدبوسية والهيمينولوبس والدوسنتاريا والجيارديا وجميعها تتسبب في أنيميا وسوء تغذية وإلتهابات معوية وتؤثر بشكل كبير على قدرات الأطفال وتحصيلهم الدراسي وصحتهم العامة وبالرغم من سهولة تجنب مثل هذه الأمراض باتباع القواعد الصحية البسيطة.

وللحيوانات أيضا نصيبها من الأمراض المتوطنة فهناك العديد من الأمراض التي تصيب الحيوان توطنت في مصر مثل الحمى القلاعية والتي أعلنت وزارة الصحة مؤخرا توطن ثلاثة سلالات منها في مصر نتيجة دخول حيوانات مصابة مستوردة من الدول الموبوءة بالمرض ، بالإضافة لأمراض أخرى كمرض الجلد العقدي.
ومن أخطر الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان معا والتي تشكل قنبلة موقوتة تستدعي الحذر والإهتمام هو مرض السل والذي توطن أيضا في مصر نظرا لإنعدام الثقافة الصحية في الكثير من المناطق وبسبب المستويات الإجتماعية والإقتصادية المتدنية.
وبالرغم من النتائج المريرة لتوطن مثل هذه الأمراض في مصر فهناك أمراض أكثر خطورة وأشد مرارة أخشى أنها أعلنت البقاء وتوطنت وتحتاج الكثير من الجهد واليقظة لعلاجها مثل الفساد بكل أشكاله واللامبالاة والجهل واليأس وغياب العدالة.
وجميعها أمراض ليس لها تحصينات أو علاجات متداولة في الأسواق.   

الجمعة، 7 يناير 2011

الضحك Laugh

تتمتع النفس الإنسانية كما يتمتع الجسد بمجموعة من الأسلحة الدفاعية ، ضد اليأس والإحباط والمشكلات التي قد يغرق فيها الإنسان حتى أذانه وتجعله يتمنى لو تنتهي الحياة نفسها للهرب من الألم والضغوط من أهم تلك الأسلحة سلاح الضحك والذي يبدو كرد فعل بسيط وفطري وتلقائي يقوم به الإنسان مرة أو عدة مرات يوميا كنوع من المرح والفكاهة أو السخرية أو حتى كنوع من المجاملة للأصدقاء والمحيطين ، ومن أروع ما يميز الضحك أنه لغة عامة تجمع البشر بلا تمييز ولا تصنيف فالكل بغض النظر عن جنسه ودينه ولغته وعمره "يضحك" وبعض الشعوب تحتل النكات جزء كبير من تراثهم فكأنها الوسيلة الوحيدة لتخفيف الضغط وتهوين ما يلاقونه من ألام ومشاكل يقفون أمامها عاجزين عن التعامل معها وحتى أنها قد تكون وسيلة تأريخ للأحداث التي حفل بها تاريخهم ومجال خصب لتحليل التطورات التي تجد عليهم وعلى أسلوب تفكيرهم .
وتأثير الضحك على الحالة المعنوية للإنسان معروف منذ القدم وأعتبره أرسطو "تمرين جسدي ثمين للصحة" على حد تعبيره والذي يعتبر فسيولوجياً تعبير سليم جداً فالضحك يحدث تغيرات قصيرة المدى في الأوعية الدموية للقلب وكذلك للتنفس ، إذ يرفع معدلات نبضات القلب ومعدل التنفس وعمقه ويزيد من إستهلاك الأكسجين.  
وقال عنه نيتشة " إن الإنسان هو الأشد ألماً بين المخلوقات الأخرى لأنه يعي أنه سيموت ولذلك كان لابد له من أن يخترع الضحك " ، وأعتبره فرويد "تصريف سريع لطاقة نفسية" وقام بعمل دراسة وافية بهذا الخصوص "النكتة وعلاقاتها باللاشعور".
بعض الأشخاص يمتلكون حس الفكاهة ويستطيعون إنتاج وفهم النكتة ببساطة شديدة والبعض الأخر يقف أمامها حائراً يصعب عليه إستيعابها وقد حددت الدراسات مناطق خاصة في المخ يرجع إليها كيفية إستقبال الأشخاص للفكاهة وتفاعلهم معها ومنها المقدم الجبهي للقشرة الدماغية والتي يمكن قياس نشاطها أثناء تعرض الأشخاص محل الإختبار لمواقف وأفلام كوميدية ويزداد نشاطها كلما كان الموقف أكثر مرحا ويواكب ذلك إفراز مواد مثل الإندورفين والمعروف بتأثيره المهدئ والمسكن للألم.
ولذلك تؤكد الدراسات أن الأشخاص الأكثر مرحا يكون شعورهم بالألم أقل وقدرتهم على تكوين صداقات وعيش حياة إجتماعية نشيطة أعلى كثيرا من الأشخاص الجادين .
ومن أجل ذلك بدأ بعض المتخصصين في مجال علم النفس إستخدام الضحك كوسيلة لعلاج بعض الأمراض النفسية البسيطة فهو يساهم بشكل فعال في تحسين الحالة النفسية والبدنية.

عندما تشعر بالضيق والألم وتتكاثر حولك المشاكل ، فقط لا تستسلم للألم ولا تترك للحزن طريقاً مفتوحاً للمرور إلى قلبك ومشاعرك ، لا تركن للوحدة وسماع الأغاني الحزينة ، واجه الألم والحزن بالضحك فهو أقوى سلاح لطرد الحزن ، وإذا كنت لا تستطيع الضحك "تضاحك" وبالتدريب ستتمكن من الضحك بشكل طبيعي.